وظلم صارخ لأنه وضعٌ للشيء في غير موضعه، فمن سوَّى بين الخالق والمخلوق، وبين الإِله والصنم فهو - بلا شك - أحمق الناس، وأبعدهم عن منطق العقل والحكمة، وحري به أن يوصف بالظلم ويجعل في عداد البهائم ﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ﴾ أي أمرناه بالإِحسان إِليهما لا سيما الوالدة ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ﴾ أي حملته جنيناً في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف، من حين الحمل إِلى حين الولادة، لأن الحمل كلما ازداد وعظم، إِزدادت به ثقلاً وضعفاً ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ أي وفطامه في تمام عامين ﴿أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ أي وقلنا له: اشكر ربك على نعمة الإِيمان والإِحسان، واشكر والديك على نعمة التربية ﴿إِلَيَّ المصير﴾ أي إِليَّ المرجع والمآب فأجازي المحسن على إِحسانه، والمسيء على إِسائته قال ابن جزي: وقوله ﴿أَنِ اشكر﴾ تفسيرٌ للوصية، واعترض بينها وبين تفسيرها بقوله ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ ليبيّن ما تكابده الأم بالولد مما يوجب عظيم حقها، ولذلك كان حقها أعظم من حق الأب ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ أي وإِن بذلا جهدهما، وأقصى ما في وسعهما، ليحملاك على الكفر والإِشراك بالله فلا تطعهما، إِذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً﴾ أي وصاحبهما في الحياة الدنيا بالمعروف والإِحسان إلأيهما - ولو كان مشركين - لأن كفرهما بالله لا يستدعي ضياع المتاعب التي تحمَّلاها في تربية الولد، ولا التنكر بالجميل ﴿واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ أي واسلك طريق من رجع إلى الله بالتوحيد والطاعة والعمل الصالح ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي مرجع الخلق إِلى الله فيجازيهم على أعمالهم، والحكمةُ من ذكر الوصية بالوالدين - ضمن وصايا لقمان - تأكيد ما أفادته الآية الأولى من تقبيح أمر الشرك ﴿إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ فكأنه تعالى يقول: مع أننا وصينا الإِنسان بوالديه، وأمرناه بالإِحسان إِليهما والعطف عليهما، وألزمناه طاعتهما بسبب حقهما العظيم عليه، مع كل هذا فقد نهيناه عن طاعتهما في حالة الشرك والعصيان، لأن الإِشراك بالله من أعظم الذنوب، وهو في نهاية القبح والشناعة.
. ثم رجع الكلام إِلى وصايا لقمان فقال تعالى ﴿يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ﴾ أي يا ولدي إِن الخطيئة والمعصية مهما كانت صغيرة حتى ولو كانت وزن حبة الخردل في الصغر ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا الله﴾ أي فتكن تلك السيئة - مع كونها في أقصى غايات الصغر - في أخفى مكان أحرزه، كجوف الصخرة الصماء، أو في أعلى مكان في السماء أو في الأرض يحضرها الله سبحانه ويحاسب عليه، والغرض التمثيلُ بأن الله لا تخفى عليه خافية من أعمال العباد ﴿إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ أي هو سبحانه لطيف بالعباد خبير أي عالم ببواطن الأمور ﴿يابني أَقِمِ الصلاة﴾ أي حافظ على الصلاة في أوقاتها وبخشوعها وآدابها ﴿وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر﴾ أي وأمر الناس بكل خير وفضيلة، وأنههم عن كل شر ورذيلة ﴿واصبر على مَآ أَصَابَكَ﴾ أي اصبر على المحن والبلايا، لأنَّ الداعي إِلى الحق معرَّض لإِيصال الأذى إِليه قال أبو حيان: لما نهاه أولاً عن الشرك، وأخبره ثانياً بعلمه تعالى وباهر قدرته، أمره با يتوسل به إِلى الله من الطاعات، فبدأ بأشرفها