الخاص أحدهما خبازه، والآخر ساقيه، أُتهما بأنهما أرادا أن يسماه فحبسهما ﴿قَالَ أَحَدُهُمَآ إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً﴾ أي قال الساقي إني رأيت في المنام أني أعصر عنباً يئول إلى خمر وأسقي منه الملك ﴿وَقَالَ الآخر إِنِّي أراني أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطير مِنْهُ﴾ أي وقال الخباز: إني رأيت في منامي أني أحمل على رأسي طبقاً فيه خبز، والطيرُ تأكل من ذلك الخبز ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ أي أخبرنا بتفسير ما رأينا إنا نراك من الذين يحسنون تفسير الرؤيا، أخبراه عن رؤياهما لما علما أنه يجيد تفسير الرؤيا ﴿قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا﴾ أي لا يأتيكما شيء من الطعام إلا أخبرتكما ببيان حقيقته وماهيته وكيفيته قبل أن يصل إليكما، أخبرهما بمعجزاته ومنها معرفة «المغيبات» توطئةً لدعائهما إلى الإيمان قال البيضاوي: أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الدين القويم قبل أن يسعفهما إلى ما سألاه عنه، كما هو طريقة الأنبياء في الهداية والإرشاد، فقدَّم ما يكون معجزة له من الإِخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير ﴿ذلكما مِمَّا عَلَّمَنِي ربي﴾ إن ذلك الإِخبار بالمغيبات ليس بكهانة ولا تنجيم، وإنما هو بإِلهامٍ ووحيٍ من الله ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله﴾ أي خصني ربي بذلك العلم لأني من بيت النبوة وقد تركت دين قومٍ مشركين لا يؤمنون بالله ﴿وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ﴾ أي يكذبون بيوم القيامة، نبّه على أصلين عظيمين: الإِيمان بالله، والإِيمان بدار الجزاء، إذ هما أعظم أركان الإيمان، وكرر لفظه ﴿هُمْ﴾ على سبيل التأكيد ﴿واتبعت مِلَّةَ آبآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ أي اتبعت دين الأنبياء، لا دين أهل الشرك والضلال، والغرضُ إظهار أنه من بيت النبوة، لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق بكلامه ﴿مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ﴾ أي ما ينبغي لنا معاشر الأنبياء أن نشرك بالله شيئاً مع اصطفائه لنا وإنعامه علينا ﴿ذلك مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس﴾ أي ذلك الإيمان والتوحيد من فضل الله علينا حيث أكرمنا بالرسالة، وعلى الناس حيث بعث الرسل لهدايتهم وإرشادهم ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ أي لا يشكرون فضل الله عليهم فيشركون به غيره.
.. ولما ذكر عليه السلام ما هو عليه من الدين الحنيف الذي هو دين الرسل، تلطَّفَ في حسن الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفتيين من عبادة الأصنام فقال ﴿ياصاحبي السجنءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار﴾ أي يا صاحبيَّ في السجن أآلهة متعددة لا تنفع ولا تضر ولا تستجيب لمن دعاها كالأصنام، خيرٌ أم عبادة الواحد الأحد، المتفرد بالعظمة والجلال؟! ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ﴾ أي ما تعبدون يا معشر القوم من دون الله إلا أسماءً فارغة سميتموها آلهة وهي لا تملك القدرة والسلطان لأنها جمادات ﴿مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ أي ما أنزل الله لكم في عبادتها من حجة أو برهان ﴿إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ﴾ أي ما الحكم في أمر العبادة والدين إلا لله رب العالمين ﴿أَمَرَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ أي أمر سبحانه بإفراد العبادة له، لأنه لا يستحقها إلا من له العظمة والجلال ﴿ذلك الدين القيم﴾ أي ذلك الذي أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله هو الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي يجهلون عظمة الله فيعبدون ما لا يضر ولا


الصفحة التالية
Icon