ينفع.. تدرّج عليه السلام في دعوتهم وألزمهم الحجة بأن بيَّن لهم أولاً رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة المتعددة، ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها من دون الله لا تستحق الألوهية والعبادة، ثم نصَّ على ما هو الحق القويم والدين المستقيم وهو عبادة الواحد الأحد الفرد الصمد، وذلك من اسلوب الحكيم في الدعوة إلى الله، حيث قدَّم الهداية والإرشاد، والنصيحة والموعظة، ثم شرع في تفسير رؤياهما فقال ﴿ياصاحبي السجن أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخر فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ﴾ أي يا صاحبيَّ في السجن أمّا الذي رأى أنه يعصر خمراً فيخرج من السجن ويعود إلى ما كان عليه من سقي سيده الخمر، وأمّا الآخر الذي رأى على رأسه خبز فيُقتل ويُعلَّق على خشبة فتأكل الطير من لحم رأسه، قال المفسرون: روي أنه لما أخبرهما بذلك جحدا وقالا ما رأينا شيئاً فقال ﴿قُضِيَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ أي انتهى وتمَّ قاء الله صدقتما أو كذبتما فهو واقع لا محالة ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا﴾ أي قال يوسف للذي اعتقد نجاته وهو الساقي ﴿اذكرني عِندَ رَبِّكَ﴾ أي اذكرني عند سيّدك وأخبره عن أمري لعلّه يخلصني ممّا ظُلمتُ به ﴿فَأَنْسَاهُ الشيطان ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ أي أنسى الشيطان الساقي أن يذكر أمر يوسف للملك ﴿فَلَبِثَ فِي السجن بِضْعَ سِنِينَ﴾ أي مكث يوسف في السجن سبع سنين، قال المفسرون: وإنما لبث في السجن بضع سنين، لأنه اعتمد ووثق بالمخلوق، وغفل أن يرفع حاجته إلى الخالق جل وعلا قال القرطبي: قال وهب ابن منبه: أقام أيوب في البلاء سبع سنين، وأقام يوسف في السجن سبع سنين.
البَلاَغة: ١ - بين ﴿صَدَقَتْ﴾ و ﴿كَذَبَتْ﴾ و ﴿الصَّادِقِينَ﴾ و ﴿الكَاذِبِينَ﴾ طباقٌ وهو من المحسنات البديعية.
٢ - ﴿مِنَ الخاطئين﴾ من باب تغليب الذكور على الإِناث.
٣ - ﴿سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ استعير المكر للغيبة لشبهها له في الإِخفاء.
٤ - ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ كذلك فيه استعارة حيث استعار لفظ القطع عن الجرح أي جرحن أيديهن.
٥ - ﴿أَعْصِرُ خَمْراً﴾ مجاز مرسل باعتبار ما يكون أي عنباً يئول إلى خمر.
فَائِدَة: روي أن جبريل جاء إلى يوسف وهو في السجن معاتباً له فقال له: يا يوسف من خلصك من القتل من أيدي إخوتك؟ قال: الله تعالى، قال: فمن أخرجك من الجب؟ قال: الله تعالى، قال: فمن عصمك من الفاحشة؟ قال: الله تعالى، قال: فمن صرف عنك كيد النساء؟ قال: الله تعالى، قال: فكيف تركتَ ربك فلم تسأله ووثقت بمخلوق!؟ قال: يا رب كلمةٌ زلَّتْ مني أسألك يا إله إبراهيم وآله والشيخ يعقوب عليهم السلام أن ترحمني فقال له جبريل: فإن عقوبتك أن تلبث في السجن بضع سنين.
تنبيه: قال العلماء في قوله تعالى ﴿واستبقا الباب﴾ هذا من اختصار القرآن المعجز، الذي يجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وذلك أنها لما راودته عن نفسه وأبى، عزمت على أن


الصفحة التالية
Icon