لهم من النعيم المقيم في دار الجزاء، ليظل العبد بين الرهبة والرغبة فقال ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الذين إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً﴾ أي إِنما يصدّق بآياتنا المؤمنون المتقون الذين إِذا وعظوا بآياتنا سقطوا على وجوههم ساجدين لله تعظيماً لآياته ﴿وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي وسبحوا ربهم على نعمائه وهم لا يستكبرون عن طاعته وعبادته ﴿تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع﴾ أي تتنحى وتتباعد أطرافهم عن الفرش ومواشع النوم، والغرض أن نومهم بالليل قليل لانقطاعهم للعبادة كقوله
﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: ١٧ - ١٨] قال مجاهد: يعني بذلك قيام الليل ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أي يدعون ربهم خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته وثوابه ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ أي ومما أعطيناهم من الرزق ينفقون في وجوه البر والحسنات ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ أي فلا يعلم أحد من الخلق مقدار ما يعطيهم الله من النعيم، مما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي ثواباً لما قدموه في الدنيا من صالح الأعمال.
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى حال المجرمين في الآخرة، وحال المؤمنين المتقين، وما أعدَّه لهم من الكرامة في دار النعيم، ذكر هنا أنه لا يتساوى الفريقان: فريق الأبرار، وفريق الفجار لأن عدالة الله تقتضي التمييز بين المؤمن الصالح، والفاسق الفاجر.
اللغَة: ﴿فَاسِقاً﴾ الفاسقُ: الخارج عن طاعة الله ﴿نُزُلاً﴾ ضيافةً وعطاءً، والنُّزل ما يهُيأ للنازل والضيف قال الشاعر:
وكنا إِذا الجبار بالجيش ضافنا | جعلنا القنا والمرهفات له نزلاً |