﴿الجرز﴾ اليابسة الجرداء التي لا نبات فيها، والجرزُ: القطع قال الزمخشري: الجرُز: الأرضُ التي جرز نباتها أي قطع، إِمّا لعدم الماء أو لأنه رُعي وأُزيل، ولا يقال للتي لا تنبتُ كالسباخ جُرز ﴿الفتح﴾ الحاكم ويقال للحاكم: فاتح وفتاح لأنه يفصل بين الناس بحكمه ﴿يُنظَرُونَ﴾ يمهلون ويؤخرون.
سَبَبُ النّزول: روي أنه كان بين «علي بن أبي طالب» و «عُقبة بن أبي مُعيط» تنازع وخصومة، فقال الوليد بن عُقبة لعلي: أُسكت فإِنك صبيٌ، وأنا والله أبسط منك لساناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة، فقال له علي: اسكتْ فإِنك فاسق فنزلت ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ﴾.
التفسِير: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً﴾ ؟ أي أفمن كان في الحياة الدنيا مؤمناً متقياً لل، كمن كان فاسقاً خارجاً عن طاعة الله؟ ﴿لاَّ يَسْتَوُونَ﴾ أي لا يستوون في الآخرة بالثواب والكرامة، كما لم يستووا في الدنيا بالطاعة والعبادة، وهذه الآية كقوله تعالى ﴿أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين﴾ [القلم: ٣٥] ؟ قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عدله وكرمه، أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة، من كان مؤمناً بآياته متبعاً لرسله، بمن كان فاسقاً أي خارجاً عن طاعة ربه، مكذباً رسل الله، ثم فصَّل تعالى جزاء الفريقين فقال ﴿أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي أما المتقون الذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى﴾ أي لهم الجنات التي فيها المساكن والدور والغرف العالية يأوون إِليها ويستمتعون بها قال البيضاوي: فالجنة هي المأوى الحقيقي، والدنيا منزل مرتحلٌ عنه لا محالة ﴿نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي ضيافةً مهيأةً ومعدةً لإِكرامهم كما تهيأ التُحف للضيف وذلك بسبب ما قدموه من صالح الأعمال ﴿وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار﴾ أي وأمّأ الذين خرجوا عن طاعة الله فملجؤهم ومنزلهم نار جهنم ﴿كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا﴾ أي إِذا دفعهم لهب النار إِلى أعلاها ردُّوا إِلى موضعهم فيها قال الفُضيل بن عياض: والله إِن الأيدي لموثقة، وإِنَّ الأرجل لمقيَّدة، وإِنَّ اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم ﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أي وتقول لهم خزنة جهنم تقريعاً وتوبيخاً: ذوقوا عذاب النار المخزي الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتهزءون منه، ثم توعدهم بعذاب عاجلٍ في الدنيا فقال ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى﴾ أي ولنذيقنَّهم من العذاب الأقرب وهو عذاب الدنيا من القتل والأسر والبلايا والمحن قال الحسن: العذاب الأدنى: مصائب الدنيا وأسقامها مما يُبتلى به العبيد حتى يتوبوا وقال أبو مجاهد: القتل والجوع ﴿دُونَ العذاب الأكبر﴾ أي قبل العذاب الأكبر الذي ينتظرهم وهو عذاب الآخرة ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي لعلهم يتوبون عن الكفر والمعاصي، ثُم بعد أن توعدهم وهددهم بيَّن استحقاقهم للعذاب فقال ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ﴾ أي لا أحد أظلم لنفسه


الصفحة التالية
Icon