ممَّن وعظ وذكر بآيات الرحمن، ثم ترك الإِيمان وتناساها؟ ﴿إِنَّا مِنَ المجرمين مُنتَقِمُونَ﴾ أي سأنتقم ممن كذَّب بآياتي أشدَّ الانتقام، ووضع الاسم الظاهر مكان الضمير لتسجيل الإِجرام عليهم ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب﴾ أي أعطينا موسى التوراة ﴿فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ﴾ أي فلا تكن يا محمد في شكٍ من تلقي القرآن كما تلقَّى موسى التوراة، والمقصود تقرير رسالته عليه السلام، وتحقيق أن ما معه من الكتاب وحيٌ سماويٌ وكتابٌ إِلهي ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ﴾ أي جعلنا التوراة هدايةً لبني إِسرائيل من الضلالة ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً﴾ أي جعلا منهم قادةً وقدوة يقتدى بهم في الخير ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ أي يدعون الخلق إِلى طاعتنا ويرشدونهم إِلى الدين بأمرنا وتكليفنا ﴿لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ أي حين صبروا على تحمل المشاق في سبيل الله، وكانوا يصدقون بآياتنا أشد التصديق وأبلغه قال ابن الجوزي: وفي هذا تنبيه لقريش أنكم إن أطعتم وآمنتم جعلت منكم أئمة ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أي إِن ربك يا محمد يقضي ويحكم بين المؤمنين والكفار، فيميز بين المحقِّ والمبطل يوم القيامة، ويجازي كلاً بما يستحق، فيما اختلفوا فيه من أمور الدين قال الطبري: فيما كانوا فيه يختلفون من أمور الدين، والبعث، والثواب والعقاب، ثم بنه تعالى على آثار قدرته في مخلوقاته، وأقام الحجة على الكفار بالأمم السالفة الذين كفروا فأُهلكوا فقال ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ القرون﴾ أي أغفل هؤلاء المشركون ولم يتبيَّن لهم كثرة من أهلكناهم من الأمم الماضية الذين كذبوا رسل الله؟ ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ أي حال كون أهل مكة يسيرون في دورهم، ويشاهدون في أسفارهم منازل هؤلاء المهلكين أفلا يعتبرون؟ قال ابن كثير: أي وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك الظالمين، فلا يرون فيها أحداً ممن كان يسكنها ويعمرها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ﴾ أي إِن في إِهلاكهم لدلالات عظيمة على قدرتنا، أفلا يسمعون سماع تدبر واتعاظ؟ ثم ذكر تعالى دلائل الوحدانية فقال ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء إِلَى الأرض الجرز﴾ أي أولم يشاهدوا كمال قدرتنا في سوقنا الماء إِلى الأرض اليابسة التي لا نبات فيها من شدة العطش لنحييها؟ ﴿فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ﴾ أي فنخرج بذلك الماء أنواع الزروع والثمار، تأكل منه دوابهم من الكلأ والحشيش، وأنفسهم من الحب والخضر والفواكه والبقول ﴿أَفَلاَ يُبْصِرُونَ﴾ أي أفلا يبصرون ذلك فيستدلون به على كمال قدرته تعالى وفضله، ويعلمون أن الذي أحيا الأرض الميتة قادر على إِعادتهم بعد وفاتهم؟ ﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي ويقول كفار مكة للمسلمين على سبيل السخرية والتهكم: متى ستنصرون علينا ويكون لكم الغلبة والفتح علينا؟ إٍن كنتم صادقين في دعواكم قال الصاوي: كان المسلمون إٍن الله سيفتح لنا على المشركين، ويفصل بيننا وبينهم، وكان أهل مكة إِذا سمعوهم يقولون بطريق الاستعجال تكذيباً واستهزاءً: متى هذا الفتح فنزلت {قُلْ يَوْمَ