قضى نَحْبَهُ} أي فمنهم من وفّى بنذره وعهده حتى استشهد في سبيل الله كأنس بن النضر وحمزة ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ﴾ أي ومنهم من ينتظر الشهادة في سبيل الله ﴿وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً﴾ أي وما غيَّروا عهدهم الذي عاهدوا عليه ربهم أبداً ﴿لِّيَجْزِيَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ﴾ أي ليجزي الله الصادقين بسبب صدقهم وحُسن صنيعهم أحسن الجزاء في الآخرة ﴿وَيُعَذِّبَ المنافقين إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ أي ويعذّب المنافقين الناقضين للعهود بأن يُميتهم على النفاق فيعذبهم، أو يتوب عليهم فيرحمهم ﴿إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي واسع المغفرة رحيماً بالعباد، قال ابن كثير: ولما كانت رحمته ورأفته تبارك وتعالى هي الغالبة لغضبه ختم بها الآية الكريمة ﴿وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ﴾ أي وردَّ الله الأحزاب الذين تألبوا على غزو المدينة خائبين خاسرين، مغيظين محنقين، لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا ﴿لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً﴾ أي حال كونهم لم ينالوا أيَّ خير لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل قد اكتسبوا الآثام في مبارزة الرسول عليه السلام وهمّهم بقتله ﴿وَكَفَى الله المؤمنين القتال﴾ أي كفاهم شرَّ أعدائهم بأن أرسل عليهم الريح والملائكة حتى ولّوا الأدبار منهزمين ﴿وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً﴾ أي قادراً على الانتقام من أعدائه، عزيزاً غالباً لا يُقهر، ولهذا كان عليه السلام يقول:» لا إِلهَ إِلا الله وَحْدَهُ، نَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الأْحَْابَ وَحْدَهُ «
﴿وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكتاب مِن صَيَاصِيهِمْ﴾ أي وأنزل اليهود وهم بنو قريظة الذين أعانوا المشركين ونقضوا عهدهم وانقلبوا على النبي وأصحابه، أنزلهم من حصونهمه وقلاعهم التي كانوا يتحصنون فيها ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب﴾ أي ألقى الله في قلوبهم الخوف الشديد حتى فتحوا الحصون واستسلموا، قال ابن جزي: نزلت الآية في يهود «بني قريظة»
وذلك أنهم كانوا معاهدين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنقضوا عهده وصاروا مع قريش، فلما انهزم المشركون وانصرفت قريش عن المدينة حاصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بني قريظة حتى نزلوا على حكم «سعد بن معاذ» فحكم بأن يُقتل رجالهم، ويُسبى نساءهم وذريتهم فذلك قوله تعالى: ﴿فَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ يعني الرجال وقتل منهم يومئذٍ مابين الثمانمائة والتسعمائة ﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً﴾ يعني النساء والذرية ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ أي قادراً على كل ما أراد، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، قال أبو حيان: ختم تعالى هذه الآية ببيان قدرته على كل شيء، وكأن في ذلك إشارة إلى فتحه على المسلمين الفتوح الكثيرة، فكما ملَّكهم هذه الأراضي فكذلك هو قادر على أن يملّكهم غيرها من البلاد ﴿ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ﴾ أي قل لزوجاتك اللاتي تأذيتَ منهن بسبب سؤالهن إياك الزيادة في النفقة ﴿إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا﴾ أي إن رغبتُنَّ في سعة الدنيا ونعيمها، ويهرجها الزائل ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ أي فتعالينَ حتى أدفع لكنَّ متعة الطلاق ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ أي


الصفحة التالية
Icon