وأطلقكُنَّ طلاقاً من غير ضرار ﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الآخرة﴾ أي وإِن كنتُنَّ ترغبن في رضوان الله ورسوله، والفوز بالنعيم الوفير في الدار الآخرة ﴿فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ جواب الشرط أي فإن الله تعالى قد هيأ للمحسنات منكنَّ بمقابلة إحسانهن ثواباً كبيراً لا يوصف، وهو الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمت، ولا خطر على قلب بشر، قال في البحر: لما نصر الله نبيه، وفرَّق عنه الأحزاب، وفتح عليه قريظة والنظير، ظنَّ أزواجه أنه اختصَّ بنفائس اليهود وذخائرهم، فقعدن حوله وقلن يا رسول الله: بناتُ كسرى وقيصر في الحُليّ والحُلَل، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق!! وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال، وأن يعاملهنَّ بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم، فأمره الله أن يتلو عليهن ما أنزل في أمرهنَّ، وأزواجه إذ ذاك تسع زوجات ﴿يانسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ أي وأورثكم يا معشر المؤمنين أرضي بني قريظة وعقارهم وخيلهم ومنازلهم وأموالهم التي تركوها ﴿وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا﴾ أي وأرضاً أخرى لم تطؤوها بعدُ بأقدامكم، وهي خيبر لأنها أُخذت بعد قريظة، وكل أرض فتحها المسلمون بعد ذلك ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾ أي من تفعل منكن كبيرةً من الكبائر، أو ذنباً تجاوز الحدَّ في القبح، قال ابن عباس: يعني النشوز وسوء الخلق ﴿يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ﴾ أي يكون جزاؤها ضعف جزاء غيرها من النساء، لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيراً﴾ أي كان ذلك العقاب سهلاً يسيراً على الله، لا يمنعه منه كونهنَّ أوزاج ونساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وفي الآية تلوين للخطاب، فبعد أن كانت المخاطبة لهن على لسان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وجَّه الخطاب إِليهنَّ هنا مباشرةً لإِظهار الاعتناء بأمرهن ونصحهن، قال الصاوي: وهذه الآيات خطاب من الله لأزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إظهاراً لفضلهن، وعِظم قدرهن عند الله تعالى، لأن العتاب والتشديد في الخطاب مشعر برفعة رتبتهن، لشدة قربهن من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولأنهن أزواجه في الجنة، فبقدر القرب من رسول الله يكون القرب من الله ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي ومن تواظب منكنَّ على طاعة الله وطاعة رسوله ﴿وَتَعْمَلْ صَالِحاً﴾ أي وتتقرب إِلىلله بفعل الخير وعمل الصالحات ﴿نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾ أي نعطها الثواب مضاعفاً ونثيبها مرتين: مرة على الطاعة والتقوى، وأخرى على طلبهنَّ رضاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالقناعة وحسن المعاشرة ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً﴾ أي وهيأنا لها في الجنة زيادة على ما لها من أجر رزقاً حسناً مرضياً لا ينطقع، ثم أظهر فضيلتهنَّ على النساء فقال: ﴿يانسآء النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء﴾ أي أنتن تختلقن عن سائر النساء من جهة أنكنَّ أفضل وأشرف من غيركن، لكونكن زوجات خاتم الرسل، وأفضل الخلق محمد عليه أفضل الصةلا والتسليم، فليست الواحدة منكنَّ كالواحدة من آحاد النساء ﴿إِنِ اتقيتن﴾ شرطٌ حذف جوابه لدلالة ما قبله أي إن اتقيتنَّ الله فأنتُنَّ بأعلى المراتب، قال القرطبي: بيَّن تعالى أن الفضيلة إنما تتم لهن بشرط التقوى، لما منحنَّ الله من صحبة رسوله سيد الأولين والآخرين، وقال ابن عباس: يريد في هذه الآية: ليس قدركنَّ عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتُنَّ أكرمُ عليَّ وثوابكنَّ أعظم إن اتقيتُن، فشرط عليهن التقوى بياناً أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهن برسول الله


الصفحة التالية
Icon