خاف أن يقول الناس تزوج امرأة ابنه إذ كان قد تبناه، فأخفاه حياءً وحشمة وصيانة لعِرْضه من ألسنتهم، فالذي أخفاه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هو إرادة تزوجها ليبطل حكم التبني فأبدى الله ذلك بأن قضى له بتزوجها ﴿وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ أي تهاب أن يقول الناسُ تزوج محمد حليلة ابنه، والله أحقُّ أن تخشاه وحده، وأن تجهر بما أوحاه إليك من أنك ستتزوج بها بعد أن يطلقها زيدٌ، قال ابن عباس: خشي أن يقول المنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا﴾ أي فلما قضى زيدٌ حاجته من نكاحها وطلَّقها زوجناك إياها يا محمد، وهذا نصٌ قاطع صريح على أن الذي أخفاه رسول الله صلى لله عليه وسلم هو إرادة الزواج بها بعد تطليق زيدٍ لها تنفيذاً لأمر الوحي، لا حبُّه لها كما زعم الأفَّاكون، ومعنى ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ جعلناها زوجةً لك، قال المفسرون: إنَّ الذي تولَّى تزويجها هو الله جل وعلا، فلما انقضت عدتها دخل عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بلا إذنٍ ولا عقدٍ ولا مهرٍ ولا شهودد، وكان ذلك خصوصية للرسول صلى لله عليه وسلم روى البخاري عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال:
«كانت زينبُ تفخَر على أزواج النبي صلى لله عليه وسلم وتقول: زوَّجكُنَّ أهاليكُنَّ، وزوَّجني ربي من فوقِ سبع سموات» ثم ذكر تعالى الحكمة من هذا الزواج فقال: ﴿لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً﴾ أي لئلا يكون في تشريع الله على المؤمنين ضيق ومشقة وتأثم في حق تزوج مطلقات الأبناء من التبني، إذا لم يبق لأزواجهن حاجة فيهن، قال ابن الجوزي: المعنى زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنَّيته لكيلا يُظنَّ أن امرأة المتبنَّى لا يحل نكاحها ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً﴾ أي وكان أمر الله لك، ووحيه إِليك بتزوج زينب مقَّدراً محتماً كائناً لا محالة، ولما نفى الحرج عن المؤمنين، نفى الحرج عن سيد المرسلين بخصوصه على سبيل التكريم والتشريف فقال: ﴿مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ﴾ أي لا حرج ولا إثم ولا عتاب على النبي فيما أباح الله له وقسم من الزوجات، قال الضحاك: كان اليهود عابوه بكثرة النكاح، فردَّ الله عليهم بقوله: {سُنَّةَ الله فِي الذين


الصفحة التالية
Icon