خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} أي هذه سنة الله في جميع الأنبياء السابقين حيث وسَّع عليهم فيما أباحلهم، قال القرطبيك أي سنَّ لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في التوسعة عليه في النكاح، سنة الأنبياء الماضية كداود وسليمان، فكان لداود مائة امرأة ولسليمان ثلاثمائة امرأة، عدا السُّريات ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً﴾ أي قضاءً مقضياً، وحكماً مقطوعاً به من الأزل، لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، ثم أثنى تعالى على جميع الأنبياء والمرسلين بقوله: ﴿الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله﴾ أي هؤلاء الذين أخبرتك عنهم يا محمد وجعلتُ لك قدوة بهم، هم الذين يبلّغون رسالات الله إلى امن أُرسلوا إليه ﴿وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله﴾ أي يخافون الله وحده ولا يخافون أحداً سواه، فاقتد يا محمد بهم ﴿وكفى بالله حَسِيباً﴾ أي يكفي أن يكون الله محاسباً على جميع الأعمال والأفعال، فينبغي أن لا يُخْشى غيره، ثم أبطل تعالى حكم التبني الذي كان شائعاً في الجاهلية فقال: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾ قال المفسرو: لما تزوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال الناس: إن محمداً قد تزوج امرأة ابنه فنزلت هذه الآية قال الزمخشري: أي لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح ﴿ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين﴾ أي ولكنّه عليه السلام آخر الأنبياء والمرسلين، ختم الله به الرسالات السماوية، فلا نبيًّ بعده، قال ابن عباس: يريد: لو لم أختم به النبيّين لجعلتُ له ولداً يكون بعده نبياً ﴿وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ أو هو العالم بأقوالكم وأفعالكم، لا تخفى عليه خافية من أحوالكم ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً﴾ أي اذكرا الله بالتهليل والتحميد، والتمجيد والتقديس ذكراً كثيراً، بالليل والنهار، والسفر والحضر ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ أي وسبحوا ربكم في الصباح والمساء، قال العلماء: خصّهما بالذكر لأنهما أفضل الأوقات بسبب تنزل الملائكة فيهما ﴿هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ أي هو جل وعلا يرحمكم على الدوام، ويعتني بأمركم، وبكل ما فيه صلاحكم وفلاحكم ﴿وَمَلاَئِكَتُهُ﴾ أي وملائكته يصلون عليكم أيضاً بالدعاء والإستغفار وطلب الرحمة، قال ابن كثير: والصلاةُ من الله سبحانه ثناؤه على العبد عند الملائكة، وقيل: الصلاة من الله الرحمةُ، ومن الملائكة: الدعاءُ والإستغفار ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ أي لينقذكم من الضلالة إلى الهدى، ومن ظلمات العصيان إلى نور الطاعة والإِيمان ﴿وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً﴾ أي واسع الرحمة بالمؤمنين، حيث يقبل القليل من أعمالهم، ويعفوا عن الكثير من ذنوبهم، لإخلاصهم في إيمانهم ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ﴾ أي تحية هؤلاء المؤمنين يوم يلقون ربهم السلامُ والإِكرام في الجنة من الملك العلاّم كقوله تعالى
﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً﴾ أي وهيأ لهم أجراً حسناً وهو الجنة وما فيها من النعيم المقيم، قال ابن كثير: والمراد بالأجر الكريم الجنةُ وما فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والملاذَ والمناظر، مما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، ثم


الصفحة التالية
Icon