لما بيَّن تعالى أنه أخرج المؤمنين من ظلمات الكفر والضلال إلى أنوار الهداية والإِيمان، عقَّبه بذكر أوصاف السراج المنير الذي أضاء الله به الأكوان فقال: ﴿ياأيها النبي إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً﴾ أي شاهداً على أمتك وعلى جميع الأمم بأن أنبيائهم قد بلغوهم رسالة ربهم ﴿وَمُبَشِّراً﴾ أي مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم ﴿وَنَذِيراً﴾ أي ومنذراً للكافرين من عذاب الجحيم ﴿وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ﴾ أي وداعياً للخلق إلى توحيد الله وطاعته وعبادته، بأمره جل وعلا لا من تلقاء نفسك ﴿وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾ أي وأنت يا محمد كالسراح الوهَّاج المضيء للناس، يُهْتدى بك في الدهماء، كما يُهْتدى بالشهاب في الظلماء، قال ابن كثير: أي أنت يا محمد كالشمس في إشراقها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند وقال الزمخشري: شبَّهه بالسراج المنير لأن الله جلى به ظلمات الشركِ، واهتدى به الضالون، كما يُجلى ظلامُ الليل بالسراج المنير ويُهْتدى به، وصفه تعالى بخسمة أوصاف كلُّها كمالٌ وجمال، وثناءٌ وجلال، وختمها بأنه صلوات الله عليه هو السراج الوضاء الذي بدَّد الله به ظلمات الضلال، فصلواتُ ربي وسلامه عليه في كل حين وآن ﴿وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كَبِيراً﴾ أي وبشر يا محمد المؤمنين خاصة بأنَّ لهم من الله العطاء الواسع الكبير في جنات النعيم ﴿وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ أي لا تطعهم فيما يطلبوه منك من المساهلة والملاينة في أمر الدين، بل اثبت على ما أُوحي إِليك ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ أي ولا تكترث بإِذايتهم لك، وصدّهم الناس عنك ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ أي واعتمد في جميع أمورك وأحوالك على الله ﴿وكفى بالله وَكِيلاً﴾ إي إن الله يكفي من توكل عليه في أمور الدنيا والآخرة، قال الصاوي: وفي الآية إشارة إلى أن التوكل أمره عظيم، فمن توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمور الدنيا والدين، ولما كان الحديث عن نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقصه زيد وتطليقه لزينب، جاء الحديث عن نساء المؤمنين والطريقة المثلى في تطليقهن فقال تعالى ﴿ياأيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات﴾ أي يا أيها المؤمنون الذين صدَّقوا بالله ورسوله إِذا عقدتم عقد الزواج على المؤمنات وتزوجتموهن ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ أي ثم طلقتموهنَّ من قبل أن تجامعوهنَّ، وإنما خصَّ المؤمنات بالذكر مع أن الكتابيات يدخلن في الحكم، للتنبيه على أن الأليق بالمسلم أن يتخيَّر لنطفته، وألاّ ينكح إلاّ مؤمنة عفيفة ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ أي فليس لكم عليهم حق في العدة تستوفون عددها عليهن، لأنكمخ لم تعاشروهن فليس هناك احتمال اللحمل حتى تحتسبوا المرأة من أجل صيانة نسبكم ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أي فالواجب عليكم إكرامهن بدفع المتعة بما تطيف نفوسكم به من مالٍ أو كسوةٍ، تطييباً لخاطرهن، وتخفيفاً لشدة وقع الطلاق عليهن ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ أي وخلّوا سبيلهنَّ تخليةً بالمعروف، من غير إضرار ولا إيذاء، ولا هضمٍ لحقوقهن، قال أبو حيان: والسراحُ الجميلُ هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب، ثم ذكر تعالى ما يتعلق بأحوال زوجات الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: ﴿ياأيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ أي إنا قد أبحنا لك يا محمد أنواعاً من النساء، توسعة عليك وتيسيراً