لك في تبليغ الدعوة، فمن ذلك أننا أبحنا لك زوجاتك اللاتي تزوجتهن بصداقٍ مُسمَّى، وهنَّ في عصمتك ﴿وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ﴾ أي وأبحنا لك أيضاً النساء اللاتي تملكهن في الحرب بطريق الانتصار على الكفار، وإنما قيَّدهن بطريق الغنائم لأنهم أفضلُ من اللائي يُمْلكن بالشراء، فقد بذل في إحرازهنَّ جهدٌ ومشقة لم يكن في الصف الثاني ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ أي وأبحنا لك قريباتك من بنات الأَعمام والعمات، والأخوال والخالات بشرط الهجرة معك ﴿وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ أي وأحللنا لك النساء المؤمنات الصالحات اللواتي وهبن أنفسهن لك، حباً في الله ورسوله وتقرباً لك ﴿إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ أي إن أردت يا محمد أن تتزوج مَن شئت منهم بدون مهر ﴿خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين﴾ أي خاصة لك يا محمد من دون سائر المؤمنين، فإنه لا يحل لهم التزوج بدون مهر، ولا تصح الهبة، بل يجب مهر المثل ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ أي قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين من نفقةٍ، ومهر، وشهود في العقد، وعدم تجاوز أربع من النساء، وما أبحنا لهم من مِلك اليمين عدا الحرائر، وأما أنت فقد خصصناك بخصائص تيسيراً لك ﴿لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ أي لئلا يكون عليك مشقة أو ضيق ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي عظيم المغفرة واسع الرحمة ﴿تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ﴾ أي ولك أيها النبي الخيار في أن تطلق من تشاء من زوجاتك، وتُمسك من تشاء منهن ﴿وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ أي وإِذا أحببتَ أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتَ من القسمة فلا إثم عليك ولا عتب ﴿ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾ أي ذلك التخيير الذي خيرانك في أمرهنَّ أقرب أن ترتاح قلوبهن فلا يحزنَّ، ويرضين بصنيعك، لأنهن إذا علمن أن هذا أمرٌ من الله، كان أطيب لأنفسهن فلا يشعرن بالحزن والألم ﴿والله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ﴾ خطابٌ للنبي على جهة التعظيم أي يعلم ما في قلبك يا محمد وما في قلب كل إِنسان، من عدل أو ميل، ومن حب أو كراهية، وإنما خيرناك فيهن تيسيراً عليك فيما أردت ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً حَلِيماً﴾ أي واسع العلم يعلم جميع ما تظرهون وما تخفون، حليماً يضع الأمور في نصابها ولا يعاجل بالعقوبة، بل يُؤخر ويمهل لكنه لا يُهْمل، روى البخاري عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنها قالت:
«كنتُ أغار من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأقول: اتهبُ المرأة نفسها؟ فلما نزلت ﴿تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ قلت: ما أرى ربك إلاّ يسارع في هواك» ثم قال تعالى ﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ﴾ أي لا يحل لك أيها النبي النساء من بعد هؤلاء التسع اللائي في عصمتك ﴿وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ أي ولا يحل لك أن تطلّق واحدة منهن وتنكح مكانها أُخرى {وَلَوْ


الصفحة التالية
Icon