تمشي النسورُ إليه وهي لاهيةٌ مشيَ العَذاى عليهنَّ الجلابي
﴿المرجفون﴾ جمع مرجف وهو الذي يشيع الكذب والباطل لإخافة الناس به، قال الشاعر:
وإِنَّا وإن عيرتمونا بقتله وأرجف بالإِسلام باغٍ وحاسد
﴿َنُغْرِيَنَّكَ﴾ أغراه به: حثه وسلّطه عليه. ﴿سَعِيراً﴾ ناراً شديدة الاستعار.
سَبَبُ النّزول: أروي عن أنس أن النبي صلى الله لما تزوَّج «زينب بنت جحش» أَوْلمَ عليها، فدعا الناس فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وزوجتُه مولّيةٌ وجهها إلى الحائط، فثقُلوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال أنس: فما أدري أأنا أخبرت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن القوم قد خرجوا أو أخبرني، قال: فانطلق حتى دخل البيتَ فذهبتُ أدخلُ معه فألقى السرت بيني وبينه ونزل الحجابُ، ووُعظ الناسُ بما وُعظوا به وأنزل الله ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ..﴾.
ب وقال ابن عباس: كان ناسٌ من المؤمنين يتحيَّنون طعام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيدخلون قبل أن يُدرك الطعام، ويقعدون إلى أن يُدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون فنزلت.
ج وعن عائشة أنَّ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال يا رسول الله: إنَّ نساءَكَ يدخلُ عليهنَّ البرُّ والفاجرُ، فلو أمرتهنَّ أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ الآية.
د عن السُّدّي أن الفُسَّاق كانوا يؤذون النساء إِذا خرجن بالليل، فإِذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا: هذه حرة، وإِذا رأوها بغير قناع قالوا: أمةٌ فآذوها فأنزل الله: ﴿ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ..﴾ الآية.
التفسِير: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ الإِضافة للتشريف والتكريم، والآية توجيه للمؤمنين لهذا الأدب السامي العظيم والمعنى: لا تدخلوا بيوت النبي في حالٍ من الأحوال إِلا في حال الإِذن لكم منه عليه السلام، مراعاةً لحقوق نسائه، وحرصاً على عدم إِيذائه والإِثقال عليه ﴿إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ أي إِلا حين يدعوكم إلى طعام غير منتظرين نُضْجه ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا﴾ أي ولكنْ إِذا دُعيتم وأُذن لكم في الدخول فادخلوا ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا﴾ أي فإِذا انتهيتم من الطعام فتفرقوا إِلى دوركم ولا تمكثوا ﴿وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ معطوف على ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ﴾ أي لا الجلوسَ يستأنس بعضهم ببعض لحديثٍ يحدثه به ﴿إِنَّ ذلكم كَانَ يُؤْذِي النبي﴾ أي إن صنيعكم هذا يؤذي الرسول، ويضايقه ويثقل عليه، ويمنعه من قضاءِ كثيرٍ من مصالحه وأموره ﴿فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ﴾ أي فيستحيي من إخراجكم، ويمنعه حياؤه أن يأمركم بالانصراف، لخُلقه الرفيع، وقلبه الرحيم ﴿والله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحق﴾ أي والله جل وعلا لا يترك بيان الحق، ولا يمنعه مانع من إظهار الحق وتبيانه لكم، قال القرطبي: هذا أدبٌ أدَّب الله به الثقلاء، وفي كتاب الثعلبي: حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ﴾ أي وإِذا أردتم حاجةً من أزواجه الطاهرات فاطلبوه من وراء حاجزٍ وحجاب ﴿ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ أي سؤالكم إياهنَّ المتاع من وراء حجاب أزكى لقلوبكم وقلوبهن وأطهر، وأنفى للريبة وسوء الظن ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله﴾ أي وما ينبغي لكم ولا يليق بكم أن تؤذوا رسولكم الذي هداكم الله به في حياته ﴿وَلاَ أَن تنكحوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً﴾ أي ولا أن تتزوجوا زوجاته من بعد وفاته أبداً، لأنهن كالأمهات لكم، وهو كالوالد فهل يليق بكم أن تؤذوه في نفسه أو أهله؟ {إِنَّ ذلكم


الصفحة التالية
Icon