لأمره وقال الصاوي: وهذه الآية فيها أعظم الدليل على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مهبط الرحمات، وأفضل الأولين والآخرين على الإطلاق، إذ الصلاة من الله على نبيه رحمتُه المقرونة بالتعظيم، ومن الله على غير النبي مطلقُ الرحمة كقوله:
﴿هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ﴾ [الأحزاب: ٤٣] فانظر الفرق بين الصلاتين، والفضل بين المقامين، وبذلك صار منبع الرحمات، ، ومنبعَ التجليات ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ أي فأنتم أيها المؤمنون أكثروا من الصلاة عليه والتسليم، فحقه عليكم عظيم، فقد كان المنقذ لكم من الضلالة إلى الهدى، والمخرج لكم من الظلمات إلى النور، فقولوا كلما ذُكر اسمه الشريف «اللهم صلّ على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً» عن كعب بن عُجرة قلنا «يا رسول الله: قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال:» قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.. «الحديث، قال الصاوي: وحكمةُ صلاةِ الملائكةِ والمؤمنين على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تشريفُهم بذلك، حيث اقتدوا بالله جل وعلا في الصلاة عليه وتعظيمه، ومكافأةٌ لبعض حقوقه على الخلق، لأنه الواسطة العظمى في كل نعمةٍ وصلت لهم، وحقٌ على مَن وصل له نعمة من شخص أن يكافئه، ولما كان الخلق عاجزين عن مكافأته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ طلبوا من القادر الملك أن يكافئه، وهذا هو السر في قولهم:» اللهم صل على محمد « ﴿إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي يؤذون الله بالكفر ونسبة الصاحبة والولد له، ووصفه بما لا يليق به جل وعلا كقول اليهود:
﴿يَدُ الله مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: ٦٤] وقول النصارى ﴿المسيح ابن الله﴾ [التوبة: ٣٠] ويؤذون الرسول بالتكذيب برسالته، والطعن في شريعته، والاستهزاء بدعوته، قال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين اتخذ صفية بن حيُي ﴿لَعَنَهُمُ الله فِي الدنيا والآخرة﴾ أي طردهم من رحمته، وأحلَّ عليهم سخطه وغضبه في الدنيا بالهوان والصَّغار، وفي الآخرة بالخلود في عذاب النار ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً﴾ أي وهيأ لهم عذاباً شديداً، بالغَ الغاية في الإِهانة والتحقير ﴿والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا﴾ أي يؤذون أهل الإِيمان بغير ما فعلوه، وبغيمر جنايةٍ واستحقاق للأذى ﴿فَقَدِ احتملوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ أي فقد حمَّلوا أنفسهم البهتان والكذب، والزور، والذبن الواضح الجلي، قال القرطبي: أطلق إيذاء الله ورسوله، وقيَّد إيذاء المؤمنين والمؤمنات، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إِلا بغير حق أبداً، وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه ومنه ولما حرَّم تعالى الإِيذاء، أمر نبيه الكريم أن يوجه النداء إلى الأمة جمعاء، للتمسك بالإِسلام وتعاليمه الرشيدة، وبالأخص في أمرٍ اجتماعي خطير وهو «الحجاب» الذي يصون للمرأة كرامتها، ويحفظ عليها عفافها، ويحميها من النظرات الجارحة، والكلمات اللاذعة، والنوايا الخبيثة لئلا تتعرض لأذى الفساق فقال: ﴿ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ أي قل يا محمد لزوجاتك الطاهرات أمهات المؤمنين وبناتك الفُضْلَيات الكريمات، وسائر نساء المؤمنين، قل لهنَّ