يلبسن الجلباب الواسع، الذي يستر محاسنهن وزينتهن، ويدفع عنهم ألسنة السوء، ويميزهن عن صفاتِ نساء الجاهلية، روى الطبري عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: أمر الله نساء المؤمنين إِذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة، وروى ابن كثير عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ فغطّى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى ﴿ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾ أي ذلك التستر أقرب بأن يُعْرفن بالعفة والتستر والصيانة، فلا يطمع فيهن أهل السوء والفساد، وقيل: أقرب بأن يُعرفن أنهن حرائر، ويتميزن عن الإِماء ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي إنه تعالى غفور لما سلف منهم من تفريط، رحيم بالعباد حيث راعى مصالحهم وشئوونهم تلك الجزيئات.. ثم هدَّد المولى جلّ وعلا كل المؤذين من جميع الأصناف بأنواع العقاب فقال: ﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ أي لئن لم يترك هؤلاء المنافقون الذين يُظهرون الإِيمان ويبطنون الكفر نفاقهم، والزناةُ الذين في قلوبهم مرض فجور فجورهم ﴿والمرجفون فِي المدينة﴾ أي الذين ينشرون الأراجيف والأكاذيب لبلبلة الأفكار، وخلخلة الصفوف، ونشر أخبار السوء ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ أي لنسلطنك عليهم يا محمد ﴿ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي ثم يخرجون من المدينة فلا يعودون إلى مجاروتك فيها إلا زمناً قليلاً، ريثما يتأهبون للخروج، قال الرازي: وعد الله نبيه أن يخرج أعداءه من المدينة وينفيهم على يده، إظهاراً لشوكته ﴿مَّلْعُونِينَ﴾ أي مبعدين عن رحمته تعالى ﴿أَيْنَمَا ثقفوا أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً﴾ أي أينما وجدوا وأُدركوا أُخذوا على وجه الغلبة والقهر ثم قُتِّلوا لكفرهم بالله تقتيلاً ﴿سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ﴾ أي هذه سنة الله في المنافقين وعادتُه فيمن سبق منهم أن يُفعل بهم ذلك، قال القرطبي: أي سنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ فيمن أرجف بالأنبياء وأظهر نفاقه أن يُؤخذ ويُقتل ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً﴾ أي ولن تتغير أو تتبدل سنة الله، لكونها بُنيت على أساسٍ متين، قال الصاوي: وفي الآية تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي فلا تحزن على وجود المنافقين يا محمد، فإن ذلك سنة قديمة لم يخل منهم زمن من الأزمان ثم ذكر تعالى الساعة وأهوالها فقال: ﴿يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة﴾ أي يسألك يا محمد المشركون على سبيل الإستهزاء والسخرية عن وقت قيام الساعة ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله﴾ أي قل لهم: لست أعرف وقتها وإنما يعلم ذلك علاّم الغيوب، فإن الله أخفاها لحكمة ولم يُطلع عليها مَلكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً﴾ أي وما يُعلمك أن الساعة تكون في وقت قريب؟ قال أبو السعود: وفيه تهديدٌ للمستعجلين، وتبكيتٌ للمتعنّتين، والإِظهارُ في موضع الإِضمار للتهويل وزيادة التقرير {إِنَّ الله لَعَنَ


الصفحة التالية
Icon