الكافرين} أي طرد الكافرين وأبعدهم عن رحمته ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً﴾ أي وهيأ لهم ناراً شديدة مستعرة ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ أي مقيمين في السعير أبد الآبدين ﴿لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ أي لا يجدون لهم مَن ينجيهم وينقذهم من عذاب الله ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار﴾ أي يوم تتقلب وجوههم من جهة إلى جهة كاللحم يُشوى بالنار ﴿يَقُولُونَ ياليتنآ أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا﴾ أي يقولون متحسرين على ما فاتهم: يا ليتنا أطعنا الله ورسوله حتى لا نبتلى بهذا العذاب المهين ﴿وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا﴾ أي أطعنا القادة والأشراف فينا فأضلونا طريق الهدى والإِيمان ﴿رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب﴾ أي اجعل عذابهم ضعفي عذابنا، لأنهم كانوا سبب ضلالنا ﴿والعنهم لَعْناً كَبِيراً﴾ أي والعنهم أشد أنواع اللعن وأعظمه، ثم حذر تعالى من إيذاء الرسول كما آذى اليهود نبيهم فقال: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ﴾ أي لا تكونوا أمثال بني إِسرائيل الذين آذوا نبيهم موسى وابتهموه ببرصٍ في جسمه أو أُدْرةٍ لفرط تستره وحيائه، فأظهر الله براءته وأكذبهم فيما اتهموه به، روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:
«إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَييّاً ستِّيراً، لا يُرَى مِنْ جِلْدِه شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً منهُ، فَآذاهُ مَنْ آذاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: ما يَتَسَتَّرُ هذا التَّسَتُّرَ إِلاّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمّا بَرَص وَإِمّا أُدْرَة انتفاخ الخصية وإِما آفة، وَإِنَّ الله أرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلا يَوْماً وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيابَهُ عَلَى الحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى ثِيابِهِ لِيأْخُذَهَا وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَات بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهَ وَطَلَبَ الحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُول: ثَوْبي حَجَر، ثَوْبِي حَجَر، حَتَّى مَرَّ عَلَى مَلإٍ منْ بَنِي إسْرَائِيل فَرَأَوْهُ أَحَْنَ ما خَلَقَ الله عُرْيَاناً، وَأَبْرَأَهُ ممَّا يَقُولُونَ» الحديث. ﴿وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً﴾ أي وكان موسى ذا وجاهة ورفعة ومكانة عند ربه، قال ابن كثير: أي له وجاهة وجاه عند ربه، لم يسأل شيئاً إلا أعطاه ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ أي راقبوا الله في جميع أقوالكم وأفعالكم، وقولوا قولاً مستقيماً مرضياً لله، قال الطبري: أي قولاً قاصداً غير جائر، حقاً غير باطل ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ أي يوفقكم لصالح الأعمال ويتقبلها منكم، قال ابن عباس: يتقبل حسناتكم ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أي يمحو عنكم الذنوب والأوزار ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ أي ومن أطاع الله والرسول فقد نال غاية مطلوبة، ثم لما أرشدهم إلى مكارم الأخلاق، نبّههم على قدر التكاليف الشرعية التي كلّف الله بها البشرية فقال: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ أي عرضنا الفرائض والتكاليف الشرعية على السموات والأرض والجبالِ الراسيات فأعرضن عن حملها وخفن من ثقلها وشدتها، والغرض تصوير عظم الأمانة وثقل حملها، قال أبو السعود: والمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة وكانت ذات شعور وإِدراك على مراعاتها لأبين قبولها وأشفقن منها وقال ابن جزي: الأمانةُ هي التكاليف الشرعية من التزام الطاعات، وترك المعاصي، وقيل: هي الأمانةُ في الأموال،


الصفحة التالية
Icon