التفسِير: ﴿الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي الثناء الكامل على جهة التعظيم والتبجيل لله الذي له كل ما في الكمون خلقاً وملكاً وتصرفاً، الجميع ملكه وعبيده وتحت قهرهوتصرفه، فله الحمد في الدنيا لكمال، قدرته، وفي الآخرة لواسع رحمته ﴿وَلَهُ الحمد فِي الآخرة﴾ أي وله الحمد بأجمعه لا يستحقه أحد سواه، لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا والآخرة ﴿وَهُوَ الحكيم الخبير﴾ أي الحكيم في صنعه، الخبير بخلقه، فلا اعتراض عليه من فعلٍ من أفعاله ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ تفصيل لبعض معلوماته جلَّ وعلا أي يعلم ما يدخل في جوف الأرض من المطر والكنوز والأموات، وما يخرج من الأرض من الزروع والنباتات وماء العيون والأبار ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ أي وما ينزل من السماء من المطر والملائكة والرحمة، ما يصعد إليها من الأعمال الصالحات، والدعوات الزاكيات ﴿وَهُوَ الرحيم الغفور﴾ أي الرحيم بعباده، الغفور عن ذنوب التائبين حيث لا يعالجهم بالعقوبة، ثم حكى تعالى مقالة المنكرين للعبث والقيامة فقال: ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة﴾ أي وقال المشركون من قومك لا قيامة أبداً ولا بعث ولا نشور، قال البيضاوي: وهو إنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاءً بالوعد به ﴿قُلْ بلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ قل لهم يا محمد: أقسم بالله العظيم لتأتينكم الساعة، فإنها واقعة لا محالة، قال ابن كثير: هذه إحدى الآيات الثلاث التي أمر الله رسوله أن يقسم بربه العظيم على وقوعها، والثانية في يونس
﴿قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [يونس: ٥٣]، والثالثة في التغابن ﴿قُلْ بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ [التغابن: ٧] ﴿عَالِمِ الغيب لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض﴾ أي هو جل وعلا العالمُ بما خفي عن الأبصار، وغاب عن الأنظار، لا يغيب عنه مقدار وزن الذرة في العالم العلوي أو السفلي ﴿وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ﴾ أي ولا أصغر من الذرة والا أكبر منها ﴿إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي إلا ويعلمه الله تعالى وهو في اللوح المحفوظ، والغرضُ أن الله تعالى لا تخفى عليه ذرة في الكون فكيف يخفى عليه البشر وأحوالهم؟ فالعظام وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت، فهو تعالى عالمٌ أين ذهبت وتفرقت، ثم يعيدها يوم القيامة ﴿لِّيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي أثبت ذلك في الكتاب المبين لك يثيب المؤمنين الذين أحسنوا في الدار الدنيا بأحسن الجزاء ﴿أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ أي لهم مغفرة لذنوبهم، ورزق حسن كريم في دار النعيم ﴿والذين سَعَوْا في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ أي وأما الذين بذلوا جهدهم وجدّوا لإبطال القرآن مغالبين لرسولنا، يظنون أنهم يعجزونه بما يثيرونه من شبهات حول رسالته والقرآن ﴿أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ﴾ أي فهؤلاء المجرمون لهم عذاب من أسوأ العذاب، شديد الإِيلام، قال قتادة: الرجزُ: سوء العذاب ﴿وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم﴾ أي ويعلم أولو العلم من أصحاب النبي عليه السلام ومن جاء بعدهم من العلماء العاملين ﴿الذي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الحق﴾ أي يعلمون أن هذا القرآن الذي أُنزل عليك يا محمد هو الحق الذي لا يأتيه الباطل ﴿ويهدي إلى صِرَاطِ العزيز الحميد﴾ أي ويرشد من تمسك به إلى طريق الله الغاللب الذي لا يُقهر، الحميد أي المحمود في ذاته وصفاته وأفعاله، ثم ذكر تعالى أساليب المشركين في الصدِّعن دين الله،