والسخرية برسول الله فقال: ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي وقال الكافرون من مشركي مكة المنكرون للبعث والجزاء ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ﴾ أي هل نرشدكم إلى رجلٍ يحدثكم بأعجب الأعاجيب؟ يعنون محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ أي إذا بليتم في القبور، وتفرقت أجسادكم في الأرض، وذهبت كل مذهب بحيث صرتم تراباً ورفاتاً ﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ؟ أي إِنكم ستخلقون خلقاً جديداً بعد ذلك التمزق والتفريق؟ والغرضُ من هذا المقال هو السخرية والاستهزاء، قال أبو حيان: والقائلون هم كفار قريش قالوه على جهة التعجب والاستهزاء، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على قصة غريبة نادرة؟ ولما كان البعث عندهم من المحال جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه، ونكّروا اسمه عليه ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ﴾ مع أن اسمه أشهر علم من قريش بطريق الاستهزاء ﴿أفترى عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي هل اختلق الكذب على الله، أم به جنون فهو يتكلم بما لا يدري؟ قال تعالى رداً عليهم: ﴿بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾ ﴿بَلِ﴾ للإِضراب أي ليس الأمر كما يزعمون من الكذب والجنون، بل الذي يجحدون البعث ولا يصدقون بالآخرة ﴿فِي العذاب والضلال البعيد﴾ أي بل هؤلاء الكفار من ضلال وحيرة عن الحق توجب لهم عذاب النار، فهم واقعون في الضلال وهم لا يشعرون وذلك غاية الجنون والحماقة، ولما ذكر تعالى ما يدل على إثبات الساعة، ذكر دليلاً آخر يتضمن التوحيد مع التهديد فقال: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ السمآء والأرض﴾ أي ألم يشاهدوا ما هو محيط بهم من جميع جوانبهم من السماء والأرض؟ فإن الإِنسان أينما توجه وحيثما نظر رأى السماء والأرض أمامه وخلفه، وعن يمينه وشماله، وهما يدلان على وحدانية الصانع، أفلا يتدبرون ذلك فيعلمون أن الذي خلقهما قادر على بعث الناس بعد موتتهم؟ ثم هددهم بقوله: ﴿إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء﴾ أي لو شئنا لخسفنا بهم الأرض كما فعلنا بقارون، أو أسقطنا عليهم قطعاً من السماء كما فعلنا بأصحاب الأيكة، فمن أين لهم المهرب؟ قال ابن الجوزي: المعنى أنهم أين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئتُ خسفتُ بهم الأرض، وإن شئتُ أسقطت عليهم قطعة من السماء ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ أي إن فيما يشاهدون من آثار القدرة الوحدانية لدلالة وعبرة لكل عبد تائب رجّاع إلى الله، متأمل فيما يرى، قال ابن كثير: يريد أن من قدر على خلق هذه السموات في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرضين في انخافضها وأطوالها وأعراضها، قادر على إعادة الأجسام، ونشر الرميم من العظام، ثم ذكر تعالى قصة داود وما خصَّه الله به من الفضل العظيم فقال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً﴾ اللام موطئة لقسم محذوف تقديره وعزة الله وجلاله لقد أعطينا داود منا فضلاً عظيماً واسعاً لا يُقدر، قال المفسرون: الفضل هو النبوة، والزبور، وتسخير الجبال، والطير وإلاَنة الحديد، وتعليمه صنع الدروع إلى غير ذلك ﴿ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير﴾ أي وقلنا يا جبال سبحي معه ورجّعي التسبيح إذا سبَّح وكذلك أنت يا طيور، قال ابن عباس: كانت الطير تسبح معه إذا سبَّح، وكان إذا قرأ لم تبقَ دابةٌ إلا استمعت لقراءته وبكت