هيأ لهم الطعام والميرة وأعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم ﴿قَالَ ائتوني بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ﴾ أي ائتوني بأخيكم بنيامين لأصدقكم ﴿أَلاَ تَرَوْنَ أني أُوفِي الكيل﴾ أي ألا ترون أني أتم الكيل من غير بخسٍ ﴿وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين﴾ أي خير من يكرم الضيفان وخير المضيفين لهم، وكان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم ﴿فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ﴾ أي إن لم تأتوني بأخيكم فليس لكم عندي بعد اليوم ميرة، ولا تقربوا بلادي مرة ثانية، رغبهم ثم توعدهم قال في البحر: والظاهر أن كل ما فعله يوسف عليه السلام كان بوحيٍ من الله وإلا فمقتضى البر أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه لكنَّ الله أراد تكميل أجر يعقوب ومحنته، ولتتفسَّر الرؤيا الأولى ﴿قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ﴾ أي سنخادعه ونحتال في انتزاعه من يده، ونجتهد في طلبه منه، وإنّا لفاعلون ذلك ﴿وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجعلوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ﴾ أي قال يوسف لغلمانه الكيالين اجعلوا المال الذي استروا به الطعام في أوعيتهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ﴾ أي لكي يعرفوها إذا رجعوا إلى أهلهم وفتحوا أوعيتهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي لعلهم يرجعون إلينا إذا رأوها، فإنه علم أنَّ دينهم يحملهم على رد الثمن لأنهم مطهّرون عن أكل الحرام فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه ﴿فَلَمَّا رَجَعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ ياأبانا مُنِعَ مِنَّا الكيل﴾ أي فلما عادوا إلى أبيهم قالوا له - قبل أن يفتحوا متاعهم - يا أبانا لقد أُنذرنا بمنع الكيل في المستقبل إن لم نأت بأخينا بنيامين، فإنَّ ملك مصر ظنَّ أننا جواسيس وأخبرناه بقصتنا فطلب أخانا ليتحقق صدقنا ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ﴾ أي أرسل معنا أخانا بنيامين لنأخذ ما نستحقه من الحبوب التي تُكال لنا ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي نحفظه من أن يناله مكروه ﴿قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ﴾ أي قال لهم يعقوب: كيف آمنكم على بنيامين وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم بعد أن ضمنتم لي حفظه، ثمَّ خنتم العهد؟ فأًخاف أن تكيدوا له كما كدتم لأخيه؟ فأنا لا أثق بكم ولا بحفظكم، وإنما أثق بحفظ الله ﴿فالله خَيْرٌ حَافِظاً﴾ أي حفظ الله خيرٌ من حفظكم ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ أي هو أرحم من والديه وإخوته، فأرجوأن يمُنَّ عليَّ بحفظه ولا يجمع عليَّ مصيبتين ﴿وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ﴾ أي ولما فتحوا الأوعية التي وضعوا فيها الميرة وجدوا ثمن الطعام في متاعهم ﴿قَالُواْ ياأبانا مَا نَبْغِي﴾ أي ماذا نبغي؟ وأيَّ شيءٍ نطلب من إكرام الملك أعظم من هذا؟ ﴿هذه بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾ أي هذا ثمن الطعام قد ردّ إلينا من حيث لا ندري، فهل هناك مزيدٌ فوق هذا الإِحسان، أوفى لنا الكيل، وردَّ لنا الثمن!! أرادوا بذلك استنزال أبيهم عن رأيه ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ أي نأتي بالميرة والطعام لأهلنا ﴿وَنَحْفَظُ أَخَانَا﴾ أي نحفظه من المكاره، وكرروا حفظ الأخ مبالغةً في الحض على إرساله ﴿وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ أي ونزداد باستصحابنا له حمل بعير، روي أنه ما كان يعطي الواحد إلا كيل بعير من الطعام، فأعطاهم حمل عشرة جمال ومنعهم الحادي عشر حتى يحضر أخوهم ﴿ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾ أي سهلٌ على الملك إعطاؤه لسخائه ﴿قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حتى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ الله لَتَأْتُنَّنِي بِهِ﴾ أي قال لهم أبوهم: لن أرسل معكم بنيامين إلى مصر حتى تعطوني عهداً مؤكداً وتحلفوا بالله لترُدنه عليَّ ﴿إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ﴾