الله وغضبه، بحيث صار إلى النار المؤبدة، ثم وَّبخ تعالى المشركين في عبادتهم ما لا يسمع ولا ينفع فقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ ؟، قال الزمخشري: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ معناها أخبروني كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به الإِلهية والشركة، ومعنى الآية: قل يا محمد تبكيتاً لهؤلاء المشركين: أخبروني عن شأن آلهتكم الأوثان والأصنام، الذين عبدتموهم من دون الله، وأشركتموهم معه في العبادة، بأي شيء استحقوا هذه العبادة؟ ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض﴾ أي أروني أيَّ شيء خلقوه في هذه الدنيا من المخلوقات حتى عبدتموهم من دون الله؟ ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات﴾ أي أم شاركوا الله في خلق السموات فاستحقوا بذلك الشركة معه في الألوهية؟ ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ﴾ أي أم أنزلنا عليهم كتاباً ينطق بأنهم شركاء الله فيهم على بصيرة وحجة وبرهان في عبادة الأوثان ﴿بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً﴾ إضرابٌ عن السابق وبيانٌ للسبب الحقيقي أي إنما اتخذوهم آلهة بتضليل الرؤساء للأتباع بقولهم: الأصنام تشفع لهم، وهو غرور باطل وزور، قال أبو السعود: لما نفى أنواع الحجج أضر عنه بذكر ما حملهم عليه، وهو تغرير الأسلاق للأخلاف، وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم يشفعون لهم عند الله.
. ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته فقال: ﴿إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ﴾ أي هو جل وعلا بقدرته وبديع حكمته، يمنع السموات والأرض من الزوال، والسقوط، والوقوع كما قال تعالى: ﴿وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥] قال القرطبي: لما بيَّن أن آلهتهم لا تقدر على خلق شيء من السموات والأرض، بيَّن أن خالقهما وممسكهما هو الله، فلا يوجد حادث إلا بإيجاده، ولا يبقى إلا ببقائه ﴿وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾ أي ولئن زالتا عن أماكنهما فرضاً وما أمسكهما أحدٌ بعد الله، بمعنى أنه لا يستطيع أحدٌ على إمساكهما، إنما هما قائتمان بقدرة الواحد القهار ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ أي إنه تعالى حليم لا يعاجل العقوبة للكفار مع استحقاقهم لها، واسع المغفرة والرحمة لمن تاب منهم وأناب ﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ أي حلف المشركون بالله أشدَّ الأيمان وأبلغها، قال الصاوي: كانوا يحلفون بآبائهم وأصنامهم فإذا أرادوا التأكيد والتشديد حلفوا بالله ﴿لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ أي لئن جاءهم رسول منذر ﴿لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم﴾ أي ليكونُنَّ أهدى من جميع الأمم الذين أرسل الله إليهم الرسل من أهل الكتاب، قال أبو السعود: بلغ قريشاً قبل مبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنَّ أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا: لعن الله اليهودَ والنصارى، أتتهم الرسلُ فكذبوهم، فوالله لئن أتانا رسول لنكوننَّ أهدى من اليهود والنصارى وغيرهم ﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ أي فلما جاءهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أشرف المرسلين ﴿مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾ أي ما زادهم مجيئه إلا تباعداً عن الهدى والحق وهرباً منه ﴿استكبارا فِي الأرض وَمَكْرَ السيىء﴾ أي نفروا منه بسبب استكبارهم عن اتباع الحق، وعتوهم وطغيانهم في الأرض، ومن أجل المكر السيىء بالرسول وبالمؤمنين، ليفتنوا ضعفاء الإيمان عن دين الله، قال أبو حيان: أي سبب النفور هو