من الطعام كجائزة له ﴿وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾ أي أنا كفيلٌ وضامنٌ بذلك ﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض﴾ قسمٌ فيه معنى التعجب أي قالوا متعجبين: والله لقد علمتم أيها القوم ما جئنا بقصد أن نفسد في أرضكم ﴿وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾ أي ولسنا ممن يُوصف بالسرقة قطُّ لأننا أولاد أنبياء ولا نفعل مثل هذا الفعل القبيح قال البيضاوي: استَشْهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما عرفوا منهم من فرط أمانتهم، كردّ البضاعة التي جُعلت في رحالهم، وككمِّ أفواه الدواب لئلا تتناول زرعاً أو طعاماً لأحد ﴿قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ﴾ أي ما عقوبة السارق في شريعتكم إن كنتم كاذبين في ادعاء البراءة ﴿قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ أي جزاء السارق الذي يوجد الصاع في متاعه أن يُسترقَّ ويصبح مملوكاً لمن سَرَق منه ﴿كذلك نَجْزِي الظالمين﴾ أي كذلك نجازي من تعدَّى حدود الله بالسرقة وأمثالها، وهذا القول منهم هو الحكم في شريعة يعقوب وقد نسخ بقطع الأيدي في الشريعة الإِسلامية ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي بدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين قال المفسرون: هذا من تمام الحيلة ودفع التهمة فإنهم لما ادعوا البراءة قال لهم: لا بدَّ من تفتيش أوعيتكم واحداً واحداً فانطلقوا بهم إلى يوسف فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء «بنيامين» قال قتادة: ذُكر لنا أنه كان لا يفتح متاعاً ولا ينظر وعاءً إلا استغفر الله مما قذفهم به، حتى بقي أخوه - وكان أصغرَ القوم فقال: ما أظنُّ هذا أخذ شيئاً فقالوا: والله لا نتركُك حتى تنظر في رَحله فإنه أطيب لنفسك وأنفسنا، فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع فيه فذلك قوله تعالى ﴿ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ﴾ أي استخرج الصواع من متاع أخيه بنيامين، فلما أخرجها منه نكَّس الإِخوةُ رءوسَهم من الحياء، وأقبلوا عليه يلومونه ويقولون له فضحتنا وسوَّدت وجوهنا يا ابن راحيل ﴿كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ أي كذلك صنعنا ودبرنا ليوسف وألهمناه الحيلة ليستبقي أخاه عنده ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك﴾ أي ما كان ليوسف أن يأخذ أخاه في دين ملك مصر، لأن جزاء السارق عنده أن يُضرب ويُغرَّم ضعفَ ما سَرَق ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ أي إلا بمشيئته تعالى وإذنه، وقد دلّت الآية على أن تلك الحيلة كانت بتعليم الله وإلهامه له ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ﴾ أي نرفع بالعلم منازل من نشاء من عبادنا ما رفعنا يوسف ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ أي فوق كل عالمٍ من هو أعلم منه حتى ينتهي إلى ذي العلم البالغ وهو ربُّ العالمين قال الحسن: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم حتى ينتهي العلم إلى الله وقال ابن عباس: الله العليم الخبير فوق كل عالم ﴿قالوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾ أي إن سرق فقد سرق أخوه الشقيق من قبله يعنون يوسف، تنصّلوا من السرقة ورموا بها يوسف وأخاه ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ أي أخفى تلك القولة في نفسه وكتمها ولم يُظهرها لإِخوته تلطفاً معهم ﴿قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ أي أنتم شرٌ منزلةًً حيث سرقتم أخاكم من أبيكم ثم طفقتم تفترون على البريء، ولم يواجههم بهذا الكلام وإنما قاله في نفسه ﴿والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ﴾ أي أعلم بما تتقوّلوا وتفترون ﴿قَالُواْ ياأيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً﴾ استرحامٌ واستعطافٌ أي قالوا مستعطفين يا أيها السيد المبجَّل إنَّ أباه شيخ كبير في السِّن لا يكاد يستطيع فراقه ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ أي خذْ بدله