واحداً منا فلسنا عنده بمنزلته من المحبة والشفقة ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين﴾ أي أتممْ إحسانك علينا فقد عودتنا الجميل والإحسان ﴿قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ أي نعوذ بالله من أن نأخذ أحداً بجرم غيره ﴿إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ﴾ أي نكون ظالمين إن فعلنا ذلك قال الألوسي: والتعبير بقوله ﴿مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ بدل «من سَرَقَ» لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب ﴿فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾ أي ولما يئسوا من إجابة طلبهم يأساً تاماً، وعرفوا أن لا جدوى من الرجاء، اعتزلوا جانباً عن الناس يتناجون ويتشاورون ﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ الله﴾ أي قال أكبرهم سناً وهو «روبيل» أليس قد أعطيتم أباكم عهداً وثيقاً بردِّ أخيكم؟ ﴿وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ﴾ أي ومن قبل هذا ألا تذكرون تفريطكم في يوسف؟ فكيف ترجعون إليه الآن؟ ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حتى يَأْذَنَ لي أبي﴾ أي فلن أفارق أرض مصر حتى يسمح لي أبي بالخروج منها ﴿أَوْ يَحْكُمَ الله لِي﴾ أي يحكم لي بخلاص أخي ﴿وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين﴾ أي وهو سبحانه أعدل الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالعدل والحق ﴿ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ ياأبانا إِنَّ ابنك سَرَقَ﴾ أي ارجعوا إلى أبيكم فأخبروه بحقيقة ما جرى وقولوا له إن ابنك بنيامين سَرَق ﴿وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا﴾ أي ولسنا نشهد إلا بما تيقنا وعلمنا فقد رأينا الصاع في رَحْله ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ أي ما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق ﴿وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا﴾ أي واسأل أهل مصر عن حقيقة ما حدث قال البيضاوي: أي أرسلْ إلى أهلها واسألهم عن القصة ﴿والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ أي واسأل أيضاً القافلة التي جئنا معهم وهم قوم من كنعان كانوا بصحبتهم في هذه السفرة ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ أي صادقون فيما أخبرناك من أمره ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً﴾ أي زيَّنتْ وسهَّلت لكم أنفسكم أمراً ومكيدةً فنفذتموها، اتهمهم بالتآمر على «بنيامين» لما سبق منهم في أمر يوسف ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي لا أجد سوى الصبر محتسباً أجري عند الله ﴿عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ أي عسى أن يجمع الله شملي بهم، ويقرّ عيني برؤيتهم جميعاً ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ أي العالم بحالي الحكيم في تدبيره وتصريفه ﴿وتولى عَنْهُمْ﴾ أي أعرض عن أولاده كراهة لما سمع منهم ﴿وَقَالَ ياأسفى عَلَى يُوسُفَ﴾ أي يا لهفي ويا حسرتي وحزني على يوسف ﴿وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن﴾ أي فقد بصره وعشي من شدة البكاء حزناً على ولديه ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أي مملوء القلب كمداً وغيظاً ولكنه يكتم ذلك في نفسه، وهو مغموم ومكروب لتلك الداهية الدهياء قال أبو السعود: وإنما تأسف على يوسف مع أن الحادث مصيبة أخويه لأن ذكر يوسف كان آخذاً بمجامع قلبه لا ينساه ولأنه كان واثقاً بحياتهما طامعاً في إيابهما وأما يوسف فلم يكن في شأنه ما يحرك سلسلة رجائه سوى رحمة الله وفضله وقال الرازي: الحزن الجديد يقوّي الحزن القديم الكامن في النفس، والأسى


الصفحة التالية
Icon