قال مجاهد: كان البشير أخاه يهوذا الذي حمل قميص الدم فقال: أُفرحه كما أحزنته ﴿أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ﴾ أي طرح البشير القميص على وجه يعقوب ﴿فارتد بَصِيراً﴾ أي عاد بصيراً لما حدث له من السرور والانتعاش ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي قال يعقوب لأبنائه: ألم أخبركم بأني أعلم ما لا تعلمونه من حياة يوسف وأن الله سيرده عليَّ لتتحقق الرؤيا؟ قال المفسرون: ذكّرهم بقوله ﴿إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٨٦] روي أنه سأل البشير كيف يوسف؟ فقال: هو ملك مصر، قال ما أصنع بالملك} على أيّ دين تركتَه؟ قال: على دين الإسلام، قال: الآن تمَّت النعمة ﴿قَالُواْ ياأبانا استغفر لَنَا ذُنُوبَنَآ﴾ طلب أبناؤه أن يستغفر لهم لما فرط منهم ثم اعترفوا بخطأهم بقولهم ﴿إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ أي مخطئين فيما ارتكبنا مع يوسف ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي﴾ وعدهم بالاستغفار قال المفسرون: أخَّر ذلك إلى السَّحَر ليكون أقرب إلى الإِجابة وقيل: أخرَّهم إلى يوم الجمعة ليتحرى ساعة الإِجابة ﴿إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم﴾ أي الساتر للذنوب الرحيم بالعباد ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ أي فلما دخل يعقوب وأبناؤه وأهلوهم على يوسف ضمَّ إليه أبويه واعتنقهما ﴿وَقَالَ ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ أي ادخلوا بلدة مصر آمنين من كل مكروه، وإنما قال ﴿إِن شَآءَ الله﴾ تبركاً وتيمناً ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش﴾ أي أجلسهما على سرير الملك بجانب ﴿وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ أي سجد له أبوه وأمه وإخوته حين دخولهم عليه قال المفسرون: كان السجود عندهم تحية وكرامة لا عبادة ﴿وَقَالَ ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ﴾ أي هذا تفسير الرؤيا التي رأيتها في منامي وأنا صغير ﴿قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾ أي صدقاً حيث وقعت كما رأيتها في النوم ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجن﴾ أي أنعم عليَّ بإخراجي من السجن قال المفسرون: ولم يذكر قصة الجب تكرماً منه لئلا يُخْجل إخوته ويذكّرهم صنيعهم بعد أن عفا عنهم ﴿وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو﴾ أي جاء بكم من البادية لأنهم كانوا أهل إبل وغنم ببادية فلسطين، ذكّرهم بنعمة الله على آل يعقوب حيث نقلهم من البادية إلى الحضر واجتمع شمل الأسرة بمصر قال الطبري: ذُكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهليهم وأبنائهم وهم أقل من مائة، وخرجوا منها يوم خرجوا وهم زيادة على ستمائة ألف ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي﴾ أي أفسد ما بيني وبين إخوتي بالإِغواء قال أبو حيان: وذكر هذا القدر من أمر إخوته لأن النعمة إذا جاءت إِثْر بلاءٍ وشدة كانت أحسن موقعاً ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ﴾ أي لطيف التدبير يحقّق مشيئتَه بلطفٍ ودقةٍ خفية لا يحسها الناس ولا يشعرون بها ﴿إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم﴾ أي العليم بخلقه الحكيم في صنعه قال المفسرون: إن يعقوب عليه السلام أقام مع يوسف في مصر أربعاً وعشرين سنة ثم مات وكان قد أوصى أن يُدفن بالشام إلى جنب أبيه إسحاق، فمضى يوسف بنفسه ودفنه ثمَّة، ثم لما عاد إلى مصر عاش بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، فلما تم أمره وعلم أنه لا


الصفحة التالية
Icon