يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم الخالد، واشتاق إلى لقاء الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق فقال ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك﴾ أي أعطيتني العزَّ والجاه والسلطان، وذلك من نعمة الدنيا ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث﴾ أي علمتني تفسير الرؤيا، وذلك من نعمة العلم ﴿فَاطِرَ السماوات﴾ أي يا مبدع السماوات والأرض وخالقَهما على غير مثال سابق ﴿والأرض أَنتَ وَلِيِّي فِي الدنيا والآخرة﴾ أي أنت يا رب متولي أموري وشئوني في الدارين ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين﴾ أي اقبضني إليك مسلماً، واجعل لحاقي بالصالحين، ابتهل إلى ربه أن يحفظ عليه إسلامه حتى يموت عليه، وإلى هنا تنتهي قصة يوسف الصدّيق، ثم يأتي التعقيب بعد ذلك بإقامة البرهان على صحة نبوة محمد عليه السلاة والسلام ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ أي ذلك الذي أخبرناك عنه يا محمد من أمر يوسف وقصته، من الأخبار المغيَّبة التي لم تكن تعلمها قبل الوحي، وإنما نُعلمك نحن بها على أبلغ وجه وأدق تصوير، ليظهر صدقُك في دعوى الرسالة ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ أي وما كنت حاضراً مع إخوة يوسف حين تآمروا على أخيهم وأجمعوا أمرهم على إلقائه في الجب وهم يحتالون ويمكرون به وبأبيه ليرسله معهم، فإنك يا محمد لم تشاهدهم حتى تقف على حقيقة القصة وإنما جاءتك بوحيٍ من العليم الخبير ﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ هذه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي ليس أكثر الخلق ولو حرصتَ على إيمانهم وبالغتَ في إرشادهم بمصدقين لك لتصميمهم على الكفر ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أي وما تطلب منهم على هذا النصح، والدعاء إلى الخير والرشد أجرة حتى يثقل عليهم ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي ما هذا القرآن إلا عظة وتذكير للعالمين، وأنت لا تطلب في تلاوته عليهم مالاً، فلو كانوا عقلاء لقبلوا ولم يتمردوا ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض﴾ أي كم من الآيات والعلامات الدالة على وجود الله جل وعلا ووحدانيته، الكائنة في السماوات والأرض كالشمس والقمر والنجوم، والجبال والبحار والأشجار، وسائر ما فيهما من العجائب ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْهَا﴾ أي يشاهدونها ليلَ نهار، ويمرون عليها بالعشي والإبكار ﴿وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ أي لا يفركون فيها ولا يعتبرون، فلا تتعجب من إعراضهم عنك فإن إعراضهم عن هذه الآيات الدالة على وحدانية الله وقدرته أغرب وأعجب ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ أي لا يؤمن أكثر هؤلاء المكذبين من قومك إلا إذا أشركوا مع الله غيره، فإنهم يقرّون بأن الله هو الخلاق الرازق ويعبدون معه الأصنام قال ابن عباس: ومن ذلك قولهم في تلبيتهم: ﴿لبَّيْك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك « {أفأمنوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ الله﴾ أفأمن هؤلاء المكذبون عقوبةً من عذاب الله تغشاهم وتشملهم؟ ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ أي أو تأتيهم القيامة بأهوالها فجأة من حيث لا يشعرون ولا يتوقعون؟ والاستفهام إنكاري وفيه معنى التوبيخ ﴿قُلْ هذه سبيلي﴾ أي قل يا محمد هذه طريقي ومنهاجي واضحة مستقيمة لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة ﴿أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني﴾ أي أدعو على عبادة الله وطاعته، على بيانٍ وحجة واضحة أنا ومن آمن بي ﴿وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين﴾ أي وأنزهه سبحانه عن الشركاء