الموصوفون بالصفات الحميدة لهم مغفرةٌ لذنوبهم، وأجر كبيرٌ في الآخرة هو الجنة قال في البحر: ووصف الثواب بأنه كبير وذلك لما احتوى عليه من النعيم السرمدي، والأمن من العذاب، ورضا الله عنهم، والنظر إِلى وجهه الكريم ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ﴾ كان المشركون يقترحون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يأتي بكنز أو يأتي معه ملك، وكانوا يستهزئون بالقرآن فقال الله تعالى له: فعلك يا محمد تاركٌ بعض ما أُنزل إِليك من ربك فلا تبلغهم إِيَّاه لاستهزائهم ﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ أي ويضيق صدرك من تبليغهم ما نزل عليك من ربك خشية التكذيب، والغرضُ تحريضُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على تبليغ الرسالة وعدم المبالاة بمن عاداه ﴿أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾ أي لأجل أن يقولوا هلاّ أُنزل عليه مالٌ كثير ﴿أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ أي جاء معه ملك يصدّقه كما اقترحنا، قال تعالى محدّداً مهمته عليه السلام ﴿إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ﴾ أي لست يا محمد إلا منذراً تخوّف المجرمين من عذاب الله ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أي قائم على شئون العباد يحفظ عليهم أعمالهم ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ أي بل أيقولون اختلق محمد هذا القرآن وافتراه من عند نفسه؟ ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ أي إِن كان الأمر كذلك فأتوا بعشر سور مثله في الفصاحة والبلاغة مفتريات فأنتم عرب فصحاء ﴿وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله﴾ أي استعينوا بمن شئتم غير الله سبحانه ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في أنَّ هذا القرآن مفترى ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ الله﴾ أي فإِن لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاونة وعجزوا عن ذلك فاعلموا أيها المشركون أنما نزل هذا القرآن بوحيٍ من الله ﴿وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا ربّ ولا معبود إلا الله الذي أنزل هذا القرآن المعجز ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ لفظه استفهام ومعناه أمرٌ أي فأسلموا بعد ظهور هذه الحجة القاطعة إِذ لم يبق لكم عذر مانع من ذلك، قال في التسهيل: الاستفهام معناه استدعاءً إِلى الإِسلام، وإِلزامٌ للكفار أن يسلموا لما قام الدليل على صحة الإِسلام لعجزهم عن الإِتيان بمثل القرآن ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا﴾ أي من كان يقصد بأعماله الصاحلة نعيم الدنيا فقط لأنه لا يعتقد بالآخرة ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ أي نوفّ إِليهم أجور أعمالهم بما يحبون فيها من الصحة والأمن والرزق ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾ أي وهم في الدنيا لا يُنقصون شيئاً من أجورهم قال قتادة: من كانت الدنيا همَّه ونيّته جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يُفضي إِلى الآخرة وليس له حسنة يُعطى بها، وأما المؤمن فيُجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة ﴿أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار﴾ أي هؤلاء الذين هدفهم الدنيا ليس لهم في الآخرة إِلا نار جهنم وعذابها المخلَّد ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ أي بطل ما صنعوه من الأعمال الصالحة لأنهم قد استوفوا في الدنيا جزاءها ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ تأكيدٌ لما سبق أي باطل ما كانوا يعملون في الدنيا من الخيرات ﴿أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ أي أفمن كان على نور واضح، وبرهان ساطع من الله تعالى، وهو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنون، وجوابه محذوف أي كمن كان يريد الحياة الدنيا؟ يريد أن بينهما تفاوتاً كبيراً، وتبايناً بعيداً، فلا يستوي من أراد الله، ومن أراد الدنيا وزينتها ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ أي ويتبعه شاهد من الله بصدقه قال ابن عباس: هو جبريل عليه السلام {وَمِن