قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} أي ومن قبل القرآن كتاب التوراة الذي أنزله الله على موسى قدوةً في الخير ورحمة لمن نزل عليهم ﴿أولئك يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي أولئك الموصوفون بأنهم على نور من ربهم يصدّقون بالقرآن حق التصديق ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ﴾ أي ومن يكفر بالقرآن من أهل الملل والأديان، فله نار جهنم يردها لا محالة ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ أي فلا تكن في شكٍ من هذا القرآن ﴿إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ أي إنه الحق الثابت المنزّل من عند الله ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لا يصدّقون أنه تنزيل رب العالمين ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ أي لا أحد أطغى ولا أظلم ممن اختلق الكذب على الله بنسبة الشريك والولد إِليه ﴿أولئك يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ﴾ أي يُعرضون يوم القيامة في جملة الخلق على خالقهم ومالكهم ﴿وَيَقُولُ الأشهاد هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ﴾ أي ويقول الخلائق والملائكة الذين يشهدون على أعمالهم هؤلاء الذين كذبوا على الله، والغرضُ فضيحتهم في الدار الآخرة على رءوس الأشهاد والتشهيرُ بهم خزياً ونكالاً ﴿أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾ لظلمهم وافترائهم على الله، واللعنةُ: الطرد من رحمة الله ﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي يمنعون الناس عن اتِّباع الحق، وسلوك سبيل الهدى الموصل إِلى الله ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ أي ويريدون أن تكون السبيل معوّجة أي يبغون أن يكون دين الله معوجاً على حسب أهوائهم ﴿وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ﴾ أي جاحدون بالآخرة منكرون للبعث والنشور ﴿أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض﴾ أي ليسوا مفلتين من عذاب الله وإن أمهلهم ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ أي ليس لهم من يتولاهم أو يمنعهم من عذاب الله ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب﴾ جملة مستأنفة أي يضاعف عليهم العذاب بسبب إِجرامهم وطغيانهم ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ﴾ أي سبب تشديد العذاب ومضاعفته عليهم أن الله جعل لهم سمعاً وبصراً، ولكنهم كانوا صُما عن سماع الحق، عمياً عن اتباعه، فلم ينتفعوا بما منحهم الله من حواس ﴿أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ﴾ أي خسروا سعادة الدنيا والآخرة، وخسروا راحة أنفسهم لدخولهم نار جهنم ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي وغاب عنهم ما كانوا يزعمونه من شفاعة الآلهة ﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون﴾ أي حقاً إِنهم يوم القيامة من أخسر الناس، ولا ترى أحداً أبينَ خسراناً منهم، لأنهم آثروا الفانية على الباقية، واستعاضوا عن الجِنان بلظى النيران، ثم لما ذكر تعالى حال الكفار الأشقياء، ذكر حال المؤمنين السعداء فقال ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ﴾ أي جمعوا مع الإِيمان والعمل الصالح الإِخبات: وهو الاطمئنان إِليه سبحانه والخشوع له والانقطاع لعبادته ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي منعَمون في الجنة لا يخرجون منها أبداً ﴿مَثَلُ الفريقين﴾ أي فريق المؤمنين وفريق الكافرين ﴿كالأعمى والأصم والبصير والسميع﴾ قال الزمخشري: شبَّه فريق الكافرين بالأعمى والأصم، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللفّ والطباق والمعنى حال الفريقين العجيب كحال من جمع بين العمى والصمم، ومن جمع بين السمع والبصر ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾ الاستفهام إِنكاري أي لا يستويان مثلاً فليس حال من يبصر نور الحق ويستضيء بضيائه


الصفحة التالية
Icon