السحاب ﴿خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ قال ابن عباس: خوفاً من الصواعق وطعماً في الغيث، فإن البرق غالباً ما يعقبه صواعق مدمّرة، وقد يكون وراءه المطر المدرار الذي به حياة البلاد والعباد ﴿وَيُنْشِىءُ السحاب الثقال﴾ أي وبقدرته كذلك يخلق السحب الكثيفة المحمَّلة بالماء الكثير ﴿وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ﴾ أي يسبّح الرعد له تسبيحاً مقترناً بحمده والثناء عليه، وتسبّح له الملائكة خوفاً من عذابه، وتسبيحُ الرعد حقيقةٌ دلَّ عليها القرآن فنؤمن بها وإن لم نفهم تلك الأصوات فهو تعالى لا يخبر إلا بما هو حقٌّ كما قال
﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] ﴿وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ﴾ أي يرسل الصواعق المدمّرة نقمة يهلك بها من شاء ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله﴾ أي وكفار مكة يجادلون في وجود الله ووحدانيته وفي قدرته على البعث ﴿وَهُوَ شَدِيدُ المحال﴾ أي وهو تعالى شديد القوة والبطش والنكال، القادر على الانتقام ممن عصاه ﴿لَهُ دَعْوَةُ الحق﴾ أي لله تعالى تتجه الدعوةُ الحق فهو الحقيق بأن يُعبد وحده بالدعاء والالتجاء ﴿والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ أي والآلهة الذين يدعوهم الكفار من دون الله ﴿لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ﴾ أي لا يستجيبون لهم دعاءً، ولا يسمعون لهم نداءً ﴿إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المآء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾ أي إلا كمن يبسط كفيه للماء من بعيد يدعوه ويناديه ليصل الماء إلى فمه، والماءُ جمادٌ لا يُحسُّ ولا يسمع قال أبو السعود: شبّه حال المشركين في عدم حصولهم عند دعاء آلهتهم على شيء أصلاً بحال عطشان هائم لا يدري ما يفعل، قد بسط كفيه من بعيد إلى الماء يبغي وصوله إلى فمه وليس الماء ببالغ فمه أبداً لكونه جماداً لا يشعر بعطشه ﴿وَمَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾ أي ما دعاؤهم والتجاؤهم لآلتهم إلا في ضياع وخسار لأنه لا يُجدي ولا يفيد ﴿وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض﴾ أي ولله وحده يخضع وينقاد أهل السماوات وأهل الأرض ﴿طَوْعاً وَكَرْهاً﴾ أي طائعين وكارهين قال الحسن: المؤمن يسجد طوعاً، والكافر يسجد كرْهاً أي في حالة الفزع والاضطرار ﴿وَظِلالُهُم بالغدو والآصال﴾ أي وتسجد ظلالُهم أيضاً لله في أول النار وأواخره، والغرضُ الإِخبار عن عظمة الله تعالى وسلطانه الذي قهر كلَّ شيء، ودان له كل شيء، بأنه ينقاد لجلاله جميع الكائنات حتى ظلال الآدمييّن، والكل في نهاية الخضوع والاستسلام لأمره تعالى ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين مَنْ خالق السماوات والأرض ومدبّر أمرهما؟ والسؤال للتهكم والسخرية بما عبدوا من دون الله ﴿قُلِ الله﴾ أي قل لهم تقريعاً وتبكيتاً: اللهُ خالقُهما ﴿قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً﴾ أي قل لهم - إلزاماً لإِقامة الحجة عليهم - أجعلتم لله شركاء وعبدتموهم من دونه وهم لا يقدرون على نفع أنفسهم، ولا على دفع الضُرّ عنها، فكيف يستطيعونه لغيرهم؟ ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور﴾ هذا تمثيلٌ لضلالهم في عبادة غير الله، والمراد بالأعمى الكافر وبالبصير المؤمن، وبالظلمات الضلالُ وبالنور الهدى أي كما لا يستوي الأعمى والبصير، وكما لا تستوي الظلمات والنور، كذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر