للحق والباطل، والهدى والضلال ليعتبر الناس ويتعظوا ﴿لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى﴾ أي للمؤمنين الذين استجابوا لله بالإيمان والطاعة المثوبةُ الحسنى وهي الجنة دار النعيم ﴿والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ﴾ أي لم يجيبوا ربهم إلى الإيمان به وهم الكافرون ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً﴾ أي لو كان لهم جميع ما في الدنيا من الأموال ﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ أي ومثلَ جميع ما في الدنيا ﴿لاَفْتَدَوْاْ بِهِ﴾ أي لبذلوا كل ذلك فداءً لأنفسهم ليتخلصوا من عذاب الله ﴿أولئك لَهُمْ سواء الحساب﴾ أي لهم الحساب السيء قال الحسن: يُحاسبون بذنوبهم كلها لا يُغفر لهم منها شيء ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي المكان الذي يأوون إليه يوم القيامة نار جهنم ﴿وَبِئْسَ المهاد﴾ أي بئس هذا المستقر والفِراش الممهد لهم في النار ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى﴾ الهمزة للاستفهام الإنكاري أي هل يستوي من آمن وصدَّق بما نزل عليك يا محمد ومن بقي يتخبط في ظلمات الجهل والضلال لا لُبَّ له كالأعمى؟ والمراد به عمى البصيرة قال ابن عباس نزلت في حمزة وأبي جهل ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب﴾ أي إنما يتعظ بآيات الله ويعتبر بها ذوو العقول السليمة، ثم عَّدد تعالى صفاتهم فقال ﴿الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله﴾ أي يتمون عهد الله الذي وصاهم به وهي أوامره ونواهيه التي كلَّف بها عباده ﴿وَلاَ يَنقُضُونَ الميثاق﴾ أي لا يخالفون ما وثقوه على أنفسهم من العهود المؤكدة بينهم وبين الله، وبين العباد ﴿والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ أي يصلون الأرحام التي أمر الله بصلتها ﴿وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ أي يهابون ربهم إجلالاً وتعظيماً ﴿وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ﴾ أي يخافون الحساب السيء المؤدي لدخول النار، فهم لرهبتهم جادّون في طاعة الله، محافظون على حدوده ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ أي صبروا على المكاره طلباً لمرضاة الله ﴿وَأَقَامُواْ الصلاة﴾ أي أدُّوا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها ﴿وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ أي أنفقوا بعض أموالهم التي أوجبها الله عليهم في الخفاء والعلانية ﴿وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة﴾ أي يدفعون الجهلَ بالحلم والأذى بالصبر وقال ابن عباس: يدفعون بالعمل الصالح السيء من الأعمال بمعنى يفعلون الحسنات ليدرءوا بها السيئات وفي الحديث
«وأتبع السيئةَ الحسنة تمحها» ﴿أولئك لَهُمْ عقبى الدار﴾ أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة وهي الجنة وقد جاء تفسيرها في قوله ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ أي جنات إقامة خالدة يدخلها أولئك الأبرار ومن كان صالحاً من آبائهم ونسائهم وأولادهم، ليأنسوا بلقائهم ويتمَّ بهم سرورهم، وإن لم يكونوا يستحقون