آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} أي والذين أنزلنا إليهم التوراة والإِنجيل - ممن آمن بك واتبعك يا محمد - كعبد الله بن سلام والنجاشي وأصحابه يفرحون بهذا القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به ﴿وَمِنَ الأحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ﴾ أي ومن أهل الملل المتحزبين عليك وهم أهل أديان شتى من ينكر بعض القرآن مكابرة مع يقينهم بصدقه لأنه موافق لما معهم ﴿قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ولا أُشْرِكَ بِهِ﴾ أي قل يا محمد إنما أُمرتُ بعبادة الله وحده لا أشركُ معه غيره ﴿إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ أي إلى عبادته أدعو الناس وإليه مرجعي ومصيري ﴿وكذلك أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً﴾ أي ومثل إنزال الكتب السابقة أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب لتحكم به بين الناس ﴿وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم﴾ أي ولئن اتبعتَ المشركين فيما يدعونك إليه من الأهواء والآراء بعدما آتاك الله من الحجج والبراهين ﴿مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ﴾ أي ليس لك ناصرٌ ينصرك أو يقيك من عذاب الله، والمقصود تحذير الأمة من اتباع أهواء الناس لأن المعصوم إذا خوطب بمثل ذلك كان الغرض تحذير الناس قال القرطبي: الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد الأمة ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ﴾ أي أرسلنا قبلك الرسل الكرام ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾ أي وجعلنا لهم النساء والبنين، وهو ردٌّ على من عاب على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كثرة النساء وقالوا: لو كان مرسلاً حقاً لكان مشتغلاً بالزهد وترك الدنيا والنساء، فردَّ الله مقالتهم وبيَّن أن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليس ببدعٍ في ذلك، بل هو كمن تقدم من الرسل ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أي لم يكن لرسولٍ أن يأتي قومه بمُعجزة إلا إذا أذن الله له فيها، وهذا ردٌّ على الذين اقترحوا الآيات ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ أي لكل مدةٍ مضروبة كتابٌ كتبه الله في اللوح المحفوظ، وكلُّ شيء عنده بمقدار قال الطبري: لكل أمر قضاه الله كتابٌ قد كتبه فهو عنده ﴿يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ﴾ أي ينسخ الله ما يشاء نسخه من الشرائع والأحكام وصحف الملائكة الكرام، ويثبتُ ما يشاء منها دون تغيير قال ابن عباس: يبدّل الله ما يشاء فينسخه إلا الموتَ والحياة والشقاء والسعادة فإنه قد فرغ منها وقيل: إن المحو والإِثبات عامٌ في جميع الأشياء لما روي أن عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت ويبكي ويقول: اللهمَّ إن كنتَ كتبت عليَّ شقوةً أو ذنباً فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمُّ الكتاب، واجعله سعادةً ومغفرة، وقد رجحه أبو السعود وهو قول ابن مسعود أيضاً ﴿وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب﴾ أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقاديرَ الأشياء ِ كلَّها ﴿وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ﴾ أي وإن أريناك يا محمد بعض الذي وعدناهم من العذاب ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ أي نقبضك قبل أن نقر عينك بعذاب هؤلاء المشركين ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب﴾ أي ليس عليك إلا تبليغ الرسالة وعلينا حسابهم وجزاؤهم ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ أي أولمْ ير هؤلاء المشركون أنّا نمكّن للمؤمنين من ديارهم ونفتح للرسول الأرض بعد الأرض حتى تنقص دار الكفر وتزيد دار الإِسلام؟ وذلك من