استطعتم ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ أي هذا القرآن كتاب أنزلناه عليك يا محمد، لم تنشئْه أنت وإنما أوحيناه نحن إليك ﴿لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور﴾ أي لتخرج البشرية من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والإِيمان ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أي بأمره وتوفيقه ﴿إلى صِرَاطِ العزيز الحميد﴾ أي لتهديهم إلى طريق الله العزيز الذي لا يُغالب، المحمود بكل لسان، الممجَّد في كل مكان ﴿الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي المالك لما في السماوات والأرض، الغني عن الناس، المسيطر على الكون وما فيه ﴿وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ قال الزجاج: ﴿وَيْلٌ﴾ كلمة تُقال للعذاب والهلكة، أي هلاك ودمارٌ للكافرين ويا ويلهم من عذاب الله الأليم، ثم وضّح صفات أولئك الكفار بقوله ﴿الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الآخرة﴾ أي يفضّلون ويؤثرون الحياة الفانية على الحياة الآخرة الباقية ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي يصرفون الناس ويمنعونهم عن دين الإسلام ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ أي يطلبون أن تكون دين الله معوجَّة لتوافق أهواءهم ﴿أولئك فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ﴾ أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة في ضلالٍ عن الحق مبين، لا يُرجى لهم صلاح ولا نجاح ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ أي وما أرسلنا في الأمم الخالية رسولاً من الرسل إلا بلغة قومه ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ أي ليبيّن لهم شريعة الله ويفهمهم مراده، لتتمَّ الغاية من الرسالة ﴿فَيُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ أي وليست وظيفة الرسل إلا التبليغ وأما أمر الهداية والإِيمان فذلك بيد الله يضلُّ من يشاء إضلاله، ويهدي من يشاء هدايته على ما سبق به قضاؤه المحكم ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي وهو العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ﴾ أي أرسلنا موسى بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقه ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور﴾ أن تفسيرية بمعنى أيْ والمعنى أي أخرج بني إِسرائيل من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإيمان والتوحيد قال أبو حيان: وفي قوله ﴿قَوْمَكَ﴾ خصوصٌ لرسالة موسى إلى قومه بخلاف قوله لمحمد ﴿لِتُخْرِجَ الناس﴾ مما يدل على عموم الرسالة ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله﴾ أي ذكّرهم بأياديه ونعمه عليهم ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ أي في التذكير بأيام الله لعبراً ودلالات لكل عبد منيب صابر على البلاء، شاكر للنعماء ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي اذكروا نعم الله الجليلة عليكم ﴿إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ أي حين نجاكم من الذل والاستعباد من فرعون وزبانيته ﴿يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب﴾ أي يذيقونكم أسوأ أنواع العذاب ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ أي يذبحون الذكور ويستبقون الإناث على قيد الحياة مع الذل والصغار ﴿وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ﴾ أي وفي تلك المحنة ابتلاءٌ واختبار لكم من ربكم عظيم قال المفسرون: وكان سبب قتل الذكور أن الكهنة قالوا لفرعون إنّ مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون ذهاب ملكك على يديه، فأمر بقتل كل مولود ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ هذا من تتمة كلام موسى أي واذكروا أيضاً حين أعلم ربكم إعلاماً لا شبهة فيه لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي ﴿وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ أي ولئن جحدتم نعمتي بالكفر والعصيان فإن عذابي شديد، وعدَ بالعذاب


الصفحة التالية
Icon