التي عملوها في الدنيا يبتغون بها الأجر من صدقةٍ وصلة رحم وغيرها مثلُ رمادٍ عصفت به الريح فجعلته هباءً منثوراً ﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ أي في يومٍ شديد هبوب الريح قال القرطبي: ضرب الله هذه الآية مثلاً الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف لأنهم أشركوا فيها غير الله تعالى ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ﴾ أي لا يقدر الكفار على تحصيل ثواب ما عملوا من البرِّ في الدنيا لإِحباطه بالكفر، كما لا يستطيع أن يحصل الإِنسان على شيء من الرماد الذي طيَّرته الريح ﴿ذلك هُوَ الضلال البعيد﴾ أي الخسران الكبير ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾ أي ألم تر أيها المخاطب بعين قلبك وتتأمل ببصيرتك أن اللهَ العظيم الجليل أنفرد بالخلق والإيجاد، وأنه خلق السماوات والأرض ليُستدلَّ بهما على قدرته؟ قال المفسرون: أي لم يخلقهن عبثاً وإنما خلقهنَّ لأمرٍ عظيم ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي هو قادرٌ على الإفناء كما قادر على الإِيجاد والإِحياء قال ابن عباس يريد: يميتكم يا معشر الكفار ويخلق قوماً غيركم خيراً منكم وأطوع ﴿وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ﴾ أي ليس ذلك بصعبٍ أو متعذرٍ على الله، فإنَّ القويَّ القادر لا يصعبُ عليه شيء ﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً﴾ أي خرجوا من قبورهم يوم البعث، وظهروا للحساب لا يسترهم عن الله ساتر قال الإِمام الفخر: ورد بلفظ الماضي ﴿وَبَرَزُواْ﴾ وإن كان معناه الاستقبال لأن كل ما أخبر الله تعالى عنه فهو صدقٌ وحقٌ، فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود ونظيره ﴿ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار﴾ [الأعراف: ٤٤] ﴿فَقَالَ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا﴾ أي قال الأتباع والعوام للسادة الكبراء والقادة الذين أضلوهم في الدنيا ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ أي كنا أتباعاً لكم نأتمر بأمركم ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ﴾ أي هل أنتم دافعون عنا شيئاً من عذاب الله؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع ﴿قَالُواْ لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ﴾ أي قال القادة معتذرين: لو هدانا الله للإيمان لهديناكم إِليه، ولكن حصل لنا الضلال فأضللناكم فلا ينفعنا العتاب ولا الجزع ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا﴾ أي يستوي علينا الجزع والصبر قال الطبري: إن أهل النار يجتمعون فيقول بعضهم لبعض: إنما أدركَ أهلُ الجنةِ ببكائهم وتضرعهم إلى الله فتعالواْ نبكي ونتضرع إلى الله، فبكوا فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم قالوا: تعالوا نصبر فصبروا صبراً لم يُر مثلُه، فلما رأوا أنه لا ينفعهم قالوا ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا﴾ وقال مقاتل: جزعوا خمسمائة عام، وصبروا خمسمائة عام ﴿مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ أي ليس لنا من مهرب أو ملجأ ﴿وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر﴾ هذه هي الخطبة البتراء التي يخطب بها إبليس في محفل الأشقياء في جهنم أي لمّا فُرغ من الحساب ودخل أهلُ الجنةِ الجنةَ وأهلُ النارِ النارَ ﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق﴾ أي وعدكم وعداً حقاً بإثابة المطيع وعقاب العاصي فوفَّى لكم وعده ﴿وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ أي وعدتكم ألاّ بعث ولا ثواب ولا عقاب فكذبتكم وأخلفتكم الوعد ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ﴾ أي لم يكن لي قدرة وتسلط وقهر عليكم فأقهركم على الكفر والمعاصي ﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي﴾ أي إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بالوسوسة