والتزيين فاستجبتم لي باختياركم ﴿فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ﴾ أي لا ترجعوا باللوم عليَّ اليوم ولكن لوموا أنفسكم فإن الذنب ذنبكم ﴿مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ أي ما أنا بمغيثكم ولا أنتم بمغيثيَّ من عذاب الله ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ أي كفرت بإشراككم لي مع الله في الطاعة ﴿إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي إن المشركين لهم عذاب مؤلم قال المفسرون: هذه الخطبة إنما تكون إذا استقر أهل الجنةِ في الجنة، وأهلُ النار في النار، فيأخذ أهل النار في لوم إبليس وتقريعه فيقوم فيما بينهم خطيباً بما أخبر عنه القرآن وقال الحسن: يقف إبلس يوم القيامة خطيباً في جهنم على منبرٍ من نار يسمعه الخلائق جميعاً ﴿وَأُدْخِلَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ لمّا ذكر تعالى أحوال الأشقياء، ذكر بعده أحوال السعداء، ليبقى العبد بين الرغبة والرهبة، وبين الخوف والرجاء أي أدخلهم الله تعالى جناتٍ تجري من تحت قصورها أنهار الجنة ماكثين فيها أبداً بأمره تعالى وتوفيقه وهدايته ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ أي تُحييِّهم الملائكة بالسلام مع الإِجلال والإِكرام ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ﴾ هذا مثلٌ ضربه الله لكلمة الإِيمان وكلمة الإِشراك، فمثَّل لكلمة الإِيمان بالشجرة الطيبة، ولكلمة الإِشراك بالشجرة الخبيثة قال ابن عباس: الكلمة الطيبة «لا إله إلا الله» والشجرة الطيبة «المؤمن» ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السمآء﴾ أي أصلها راسخ في الأرض وأغصانها ممتدة نحو السماء ﴿تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ أي تعطي ثمرها كلَّ وقت بتيسير الخالق وتكوينه، كذلك كلمة الإِيمان ثابتة في قلب المؤمن، وعملُه يصعد إلى السماء ويناله بركته وثوابه في كل وقت ﴿وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ أي يبيّن لهم الأمثال لعلهم يتعظون فيؤمنون ﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ أي ومثل كلمة الكفر الخبيثة كشجرة الحَنْظل الخبيثة ﴿اجتثت مِن فَوْقِ الأرض﴾ أي استؤصلت من جذورها واقتعلت من الأرض لعدم ثبات أصلها ﴿مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾ أي ليس لها استقرارٌ وثبات، كذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة قال ابن الجوزي: شُبه ما يكسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت بثمرتها المجتناة في كل حين، فالمؤمن كلما قال «لا إله إلا الله» صعدت إِلى السماء ثم جاء خيرُها ومنفعتها، والكافر لا يُقبل عمله ولا يصعد إلى الله تعالى، لأنه ليس له أصل في الأرض ثابت، ولا فرع في السماء ﴿يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا﴾ أي يثبتهم على كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» وعلى الإيمان في هذه الحياة فلا يزيغون ولا يُفْتنون ﴿وَفِي الآخرة﴾ أي عند سؤال الملكين في القبر كما في الحديث الشريف
«المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله تعالى ﴿يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ﴾... » الآية « ﴿وَيُضِلُّ الله الظالمين﴾ أي لا يهديهم في الحياة ولا عند سؤال الملكين وقت الممات ﴿وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَآءُ﴾ أي من هداية المؤمن وإضلال الكافر لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً﴾ استفهام للتعجيب أي ألا تعجب أيها السامع من أولئك الذين