غيَّروا نعمة الله بالكفر والتكذيب؟ قال المفسرون: هم كفار مكة فقد أسكنهم الله حرمه الآمن، وجعل عيشهم في السِّعة، وبعث فيهم محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلم يعرفوا قدر هذه النعمة، وكفروا به وكذبوه، فابتلاهم الله بالقحط والجدب ﴿وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار﴾ أي أنزلوا قومهم دار الهلاك بكفرهم وطغيانهم ثم فسَّرها بقوله ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار﴾ أي أحلوهم في جهنم يذوقون سعيرها وبئست جهنم مستقراً ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ﴾ أي جعلوا لله شركاء مماثلين عبدوهم كعبادته ليُضلوا الناس عن دين الله ﴿قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار﴾ أي استمتعوا بنعيم الدنيا فإن مردَّكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم، وهو وعيد وتهديد ﴿قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصلاة﴾ أي قل يا محمد لعبادي الذين آمنوا فلْيقيموا الصلاة المفروضة عليهم ويؤدوها على الوجه الأكمل ﴿وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً﴾ أي ولينفقوا مما أنعمنا عليهم به من الرزق خفيةً وجهراً ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ﴾ أي من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا انتفاع فيه بمبايعة ولا صداقة، ولا فداء ولا شفاعة، ولما أطال الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء ختم ذلك بذكر الدلائل الدالة على وجود الخالق الحكيم فقال ﴿الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض﴾ أي أبدعهما واخترعهما على غير مثال سبق ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ أي أنزل من السحاب الممطر ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ﴾ أي أخرج بالمطر من أنواع الزروع والثمار رزقاً للعباد يأكلونه ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك لِتَجْرِيَ فِي البحر بِأَمْرِهِ﴾ أي ذلَّل السفن الكبيرة لتسير بمشيئته، تركبونها وتحملون فيها أمتعتكم من بلد إلى بلد ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار﴾ أي الأنهار العذبة لتشربوا منها وتسقوا وتزرعوا ﴿وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَآئِبَينَ﴾ أي وذلَّل لكم الشمس والقمر يجريان بانتظام لا يفتران، لصلاح أنفسكم ومعاشكم ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل والنهار﴾ أي لتسكنوا في الليل، ولتبتغوا من فضله بالنهار، هذا لمنامكم وذاك لمعاشكم ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ أي أعطاكم كل ما تحتاجون إليه، وما يصلح أحوالكم ومعاشكم، مما سألتموه بلسان الحال أو المقال ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ أي وإِن تعدُّوا نِعَم اللهِ عليكم لا تطيقوا حصرها وعدَّها، فهي أكبر وأكثر من أن يحصيها عدد ﴿إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ الإِنسان اسم جنس أي إن الإنسان لمبالغٌ في الظلم والجحود، ظالمٌ لنفسه بتعديه حدود الله، جحودٌ لنعم الله، وقيل: ظلوم في الشدة يشكو ويجزع،