المنَاسَبَة: لا تزال الآيات الكريمة تتحدث عن دلائل القدرة والوحدانية، فبعد أن ذكر تعالى دلائل القدرة في الآفق أردفها بدلائل القدرة في الأنفس، ثم تحدث عن أحوال المشركين يوم القيامة، وختم السورة الكريمة بالوعيد والتهديد لأهل الكفر والضلال.
اللغَة: ﴿الأغلال﴾ القيود جمع غُلَّ وهو القيد يجمع اليد إلى العنق ﴿الحميم﴾ الماء الحار البالغ نهاية الحرارة ﴿يُسْجَرُونَ﴾ توقد بهم النار يقال: سجر التنور أوقده ﴿تَمْرَحُونَ﴾ تبطرون وتأْشرون ﴿مَثْوَى﴾ مأوى ومكان إقامة، من ثَوى بالمكان إذا أقام فيه ﴿خَلَتْ﴾ مضت.
التفسِير: ﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ هذا بيانٌ للأجوار التي مرَّ خلق الإِنسان أي هو جل وعلا بقدرته الذي أوجدكم أيها الناس من العد، فخلق أصلكم آدم من تراب، ثم خلق ذريته من النطفة وهي المنيُّ، ثم من علقة وهي الدم الغليظ، إلى آخر تلك الأطوار ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ أي ثم بعد أن ينفصل الجنين من بطن الأم يكون طفلاً ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ﴾ أي ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل، وهو سنُّ الأربعين ﴿ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً﴾ أي ثم لتصبحوا في سنِّ الهرم والشيخوخة قال الإِمام الفخر: رتَّب تعالى عمر الإِنسان على ثلاث مراتب: الطفولة، وبلوغ الأشد، والشخوخة، وهذا ترتيب مطابق للعقل، فإِن الإِنسان في أول عمره يكون في النمَّاء والنشوء وهو المسمى بالطفولة، إلى أن يبلغ إلى كمال النشوء من غير أن يحصل له ضعف، وهذا بلوغ الأشد، ثم يبدأ بالتراجع ويبدأ فيه الضعف والنقص، وهذه مرتبة الشيخوخة ﴿وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ﴾ أي ومنكم من يُتوفى قبل أن يخرج إلى العالم وهو السِّقطُ وقال مجاهد: من قبلِ سنِّ الشيخوخة ﴿ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى﴾ أي ولتصلوا إلى الزمان الذي حُدِّد لكل شخصٍ وهو الموتَ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي ولكي تعقلوا دلائل قدرته تعالى وتؤمنوا بأنه الواحد الأحد ﴿هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أي هو القادر جل وعلا على الإِحياء والإِماتة ﴿فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ﴾ أي فإِذا أراد أمراً من الأمور فلا يحتاج إلى تعب وعناء، وإِنما يوجد فوراً دون تأخير قال أبو السعود:


الصفحة التالية
Icon