المنَاسَبَة: لما ذكر صفات المؤمنين الأبرار، وأردفها بذكر الدلائل الدالة على وجوده سبحانه ووحدانتيه، وكمال علمه وحكمته، ذكر هنا ما يدل على البعث والنشور، من صفحات هذا الكون المنظور، ثم أعقبه بذكر الملحدين في آياته، المكذبين برسله وأنبيائه، وختم السورة الكريمة بيان حال الأشقياء المجرمين، المنكرين للقرآن العظيم.
اللغَة: ﴿يُلْحِدُونَ﴾ يمليون عن الحق والاستقامة، والإِلحادُ: الميلُ والعدول يقال: ألحد في دين الله أي حاد عنه وعدل ﴿أعْجَمِيّاً﴾ بلغة العجم ﴿وَقْرٌ﴾ صممٌ مانع من سماعه ﴿أَكْمَامِهَا﴾ جمع كُمَّ وهو وعاء الثمرة بضم الكاف وكسرها (مَّحِيصٍ} فرار ومهرب من حاص يحيصُ حيصاً إذا هرب ﴿نأ﴾ تباعد وأعرض ﴿الآفاق﴾ أقطار السموات والأرض ﴿مِرْيَةٍ﴾ شك وارتياب عظيم.
التفسِير: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً﴾ أي ومن البراهين والعلاقات الدالة على وحدانيته وكمال قدرته، أنك ترى الأرض يابسة جرداء لا نبات فيها، تشبه الرجل الخاضع الذليل ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ﴾ أي فإِذا أنزلنا عليها المطر تحركت حركة شديدة وانتفحت وعلت بالنبات، وأخرجت من جميع ألوان الزروع والثمار ﴿إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى﴾ أي إن الإِله الذي أحيا الأرض بعد موتها هو الذي يحيي الأموات ويبعثهم من القبور ﴿إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي لا يعجزه جل وعلا شيءٌ، فكما أخرج الزروع والثمار من الأرض المجدبة، فإِنه قادر على إحياء الموتى.. ثم توعَّد تعالى من يلحد في آياته بعد ظهور الأَدلة والبراهين على وجوده فقال ﴿إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ﴾ أي إن الذين يطعنون في آياتنا، بالتحريف والتكذيب والإِنكار لها لا يغيب أمرهم عنا فنحن لهم بالمرصاد، وفيه وعيد وتهديد قال قتادة: الإِلحادُ الكفر والعناد وقال ابن عباس: هو تبديلُ الكلام ووضعه في غير موضعه ﴿أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة﴾ أي أفمن يُطرح في جهنم مع الخوف والفزع أفضل أم من يكون في الجنة آمناً من عذاب الله يوم