يعوجُّ وتقتطع منه الشماريخ فيبقى على النخل ياسباً ﴿المشحون﴾ المملوء الموقر الثقيلة ﴿صَرِيخَ﴾ مغيث ﴿يَخِصِّمُونَ﴾ يختصمون في أمورهم غافلين عما حولهم ﴿الأجداث﴾ جمع جدث وهو القبر ﴿يَنسِلُونَ﴾ يسرعون في الخروج، يقال: عسل الذئبُ ونسل أي أسرع في المشي.
التفسِير: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أَحْيَيْنَاهَا﴾ أي ومن الآيات الباهرة، والعلامات الظاهرة الدالة على كمال قدرة الله ووحدانيته هذه الآية العظيمة، وهي الأرض الياسبة الهامدة التي لا نبات فيها ولا زرع، أحييناها بالمطر قال المفسرون: موتُ الأرض جدبها، وإِحياؤها بالغيث، فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج ولهذا قال تعالى بعده ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ أي وأخرجنا بهذا الماء أنواع الحبوب ليتغذوا به ويعيشوا قال القرطبي: نبَّههم تعالى بهذا على إحياء الموتى، وذكَّرهم على توحيده وكمال قدرته، بالأرض الميتة أحياها بالنبات، وإخراج الحب منها، فمن الحبِّ يأكلون وبه يتغذون ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ أي وجعلنا في الأرض بساتين ناضرة فيها من أنواع النخيل والعنب ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العيون﴾ أي وجعلنا فيها ينابيع من الماء العذب، والأنهار السارحة شفي بلدان كثيرة ﴿لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ أي ليأكلوا من ثمرات ما ذُكر من الجنات والنخيل التي أنشأها لهم، ومما عملته أيديهم مما غرسوه وزرعوه بأنفسهم قال ابن كثير: لما امتنَّ على خلقه بإيجاد الزروع لهم، عطف بذكر الثمار وأنواعها وأصنافها، وما ذاك كله إلا من رحمة الله تعالى بهم، لا بسعيهم وكدِّهم، ولا بحولهم وقوتهم ولهذا قال ﴿أَفَلاَ يَشْكُرُونَ﴾ ؟ أي أفلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم؟ واختار ابن جرير أنَّ «ما» بمعنى الذي أي ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم أي من الذي غرسوه ونصبوه ﴿سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا﴾ أين تنزَّه وتقدَّس الله العلي الجليل الذي خلق الأصناف كلها، والمختلفة الألوان والطعوم والأشكال من جميع الأشياء ﴿مِمَّا تُنبِتُ الأرض وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي ممَّا تُخرج الأرضُ من النخيل والأشجار، والزروع والثمار، ومن أنفسهم من الذكور والإِناث، ومما لا يعملون من المخلوقات العجيبة والأشياء الغريبة كما قال تعالى
﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: ٤٩] ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ اليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾ أي وعلامةً أخرى لهم على كمال قدرتنا الليلُ نزيل عنه الضوء ونفصله عن النهار فإذا هم داخلون في الظلام، وفي الآية رمزٌ إلى أن