المخلوق، وإذْ صفِاتُهنم لا تنفك عن الأعراض والأغراض، وهو تعالى منزَّه عن ذلك، وقد قال بعض المحقيين: التوحيدُ إثباتُ ذاتٍ غير مشهبةٍ للذوات، ولا معطَّلة من الصفات، وزاد الواسطيُّ فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، وهذا مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة ﴿وَهُوَ السميع البصير﴾ أي وهو تعالى السميع لأقوال العباد، البصير بأفعالهم ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض﴾ أي بيده جل وعلا مفاتيح خزائنهما من المطر والنبات وسائر الحاجات ﴿يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ﴾ أي يوسِّعُ الرزق على من يشاء، ويضيّق على من يشاء، حسب الحكمة الإلهية ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تعليل لما سبق أي لأن علمه تعالى محيط بكل الأشياء، فهو واسع العلم، يعلم إذا كان الغنى خيراً للعبد أو الفقر ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ أي سنَّ وبيَّن لكم أيها المؤمنون من الشريعة السمحة والدين الحنيف، ما وصَّى به الرسل، وأرباب الشرائع من مشاهير الأنبياء، كنوح ومحمد عليه السلام ﴿وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى﴾ أي وما أمرنا به بطريق الإِلزام إبراهيم وموسى وعيسى من أصول الشرائع والأحكام قال الصاوي: خصَّ هؤلاء بالذكر لأنهم أكابر الأنبياء، وأولوا العزم، وأصحاب المعظمة، فلكل واحد من هؤلاء الرسل شرعٌ جديد، وأمَّا من عداهم، فإِنما كان يبعث بتبليغ شرع من قبله، ولم يزل الأمر يتأكد بالرسل، ويتناصر بالأنبياء، واحداً بعد واحد، وشريعةً إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل، ملةِ أكر الرسل نبينا محمد صلى الله عليه ووسلم، فتبيَّن أن شرعنا معشَر الأمة المحمدية قد جمع جميع الشرائع المتقدمة في أصول الاعتقادات، وأصول الأحكام ولهذا قال تعالى ﴿أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ﴾ أي وصيناهم بأن أقيموا الدين الحق دين الإِسلام الذي هو توحيدُ الله وطاعتُه، والإِيمان بكتبه ورسله، وبالبعث والجزاء قال القرطبي: المراد اجعلوا الدين قائماً مستمراً محفوظاً من غير خلافٍ فيه واضطراب، في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة وهي: التوحيد، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وغيرها فهذا كله مشروعاً ديناً واحداً وأملة متحدة.
﴿كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ أي عظمُ وشقَّ على الكفار ما تدعوهم إليه من عبادة الله، وتوحيد الواحد القهار ﴿الله يجتبي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ أي اللهُ يصطفي ويختار للإِيمان والتوحيد من يشاء من عباده، ويهدي إلى دينه الحق من يرجع إلى طاعته، فيوفقه له ويقربه إليه رحمةً وإكراماً ﴿وَمَا تفرقوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم﴾ أي وما تفرَّق أهل الأديان المختلفة من اليهود والنصارى وغيرهم إلاّ من بعد ما قامت عليهم الحجج والبراهين من النبي المرسل إليهم ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ أي ظلماً وتعدياً، وحسداً وعناداً ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي ولولا أن الله قضى بتأخير العذاب عنهم إلىيوم القيامة ﴿لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ﴾ أي لعجَّل لهم العقوبة في الدنيا سريعاً باستئصالهم قال ابن كثير: أي لولا الكلمة السالفة من الله تعالى بإِنظار العباد إلى يوم المعاد لعجل لهم العقوبة سريعاً ﴿وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ﴾ أي وإِن بقيَّة أهل الكتاب الذين عاصروا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من


الصفحة التالية
Icon