الموت ﴿تَسْتَوُواْ﴾ تستقروا وتركبوا ﴿مُقْرِنِينَ﴾ مطيقين ﴿كَظِيمٌ﴾ مملوء غماً وغيظاً ﴿يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون ﴿أُمَّةٍ﴾ دين وطريقة ﴿مُتْرَفُوهَآ﴾ المترف: المتنعم المنغمس في الشهوات.
التفسِير: ﴿حم﴾ الحروف المقطعمة للتنبيه على إِعجاز القرآن ﴿والكتاب المبين﴾ قسمٌ أقسم الله به أي أُقْسمُ بالقرآن البيّن الواضح الجلي، المظهر طريق الهدى من طريق الضلال، المبيِّين للبشرية ما تحتاج إليه من الأحكام والدلائل الشرعية ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ هذا هو المقسم عليه أي أنزلناه بلغة العرب، مشتملاً على كمال الفصاحة والبلاغة، بأسلول محكم، وبيانٍ معجز ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي لكي تفهموا أحكامه، وتتدبروا معانيه، وتعقلوا أن أسلوبه الحكيم خارج عن طوق البشر قال البيضاوي: أقسم تعالى بالقرآن على أنه جعله قرآناً عربياً، وهو من البدائع البلاغية لتناسب القسم والمُقْسم عليه، تنبيهاً على أنه لا شيء أعلا منه فيقسم به، وهذا يدل على شرف القرآن وعزته بأبلغ وجهٍ وأدقه ﴿وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا﴾ أي وإِنه في اللوح المحفوظ عندنا ﴿لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ أي رفيع الشأن عظيم القدرة، ذو حكمةٍ بالغةٍ ومكانةٍ فائقة قال ابن كثير: بيِّن شرف القرآن في الملأ الأعلى، ليشرّفه ويعظّمه أهل الأرض أي وإِن القرآن في اللوح المحفوظ عندنا ذو مكانةٍ عظيمة، وشرف وفضل ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً﴾ الاستفهام إِنكاري أي أنترك تذكيركم إعراضاً عنكم، ونعتبركم كالبهائم فلا نعظكم بالقرآن؟ ﴿أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ﴾ أي لأجل أنكم مسرفون في التكذيب والعصيان؟ لا، بل نذكّركم ونعظكم به إلى أن ترجعوا إلى طريق الحق قال قتادة: لو أن هذا القرآن رُفع حين ردَّه الأوائل لهلكوا، ولكنَّ الله برحمته كرَّره عليهم، ودعاهم إليه عشرين سنة قال ابن كثير: وقول قتادة لطيف المعنى جداً وحاصله أن تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير، وإلى الذكر الحكيم، وإن كانوا مسرفين معرضين عنه، بل يأمر به ليهتدي به من قدَّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأولين﴾ ؟ ت سلية للنبي عليه السلام أي ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء في الأمم الاولين؟ ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي ولم يكن يأتيهم نبي إلا سخروا منه واستهزءوا به قال الصاوي: وهاذ اتسلية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمعنى تسلَّ يا محمد ولا تحزن فإنه وقع للرسل قبلك ما وقع لك ﴿فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً﴾ أي فأهلكنا قوماً كانوا أشد قوة من كفار مكة وأعتى منهم وأطغى ﴿ومضى مَثَلُ الأولين﴾ أي وسبق في القرآن أحاديثُ إِهلاكهم، ليكونوا عظة وعبرة لمن بعدهم من المكذبين قال الإِمام الفخر: إن كفار مكة سلكوا في الكفر والتكذيب مسلك من كان قبلهم، فليحذروا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك فقد ضربنا لهم مثَلَهم ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض﴾ أي ولئن سألتَ يا محمد هؤلاء المشركين من خلق السمواتِ والأرض بهذا الشكل البديع ﴿لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم﴾ أي ليقولُنَّ خلقهنَّ اللهُ وحده، العزيزُ في ملكه، العليمُ بخلقه قال القرطبي: أقروا له بالخلق والإِيجاد، ثم عبدوا معه غيره


الصفحة التالية
Icon