فقال له موسى: إني رسول الله إليك، أرسلني لأدعنك وقومك إلى عبادة الله وحده ﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ أي فلما جاءهم بتلك الآيات الباهرة الدالة على رسالته ضحكوا سخريةً واستهزاءً به قال القرطبي: إِنما ضحكوا منها ليوهموا أتباعهم أن تلك الآياتِ سحرٌ، وأنهم قادرون عليها، قال تعالى ﴿وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ أي وما نريهم آية من آيات العذاب كالطوفان، والجراد، والقُمَّل إلا وهي في غاية الكبر والظهور، بحيث تكون أوضح من سابقتها قال الصاوي: والمعنى إلا وهي بالغة الغاية في الإِعجاز، بحيث يظن الناظر إليها أنها أكبر من غيرها ﴿وَأَخَذْنَاهُم بالعذاب لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي عاقبناهم بأنواع العذاب الشديد، لعلهم يرجعون عما هوعليه من الكفر والتكذيب ﴿وَقَالُواْ ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ﴾ أي وقالوا لما عاينوا العذاب ياأيها الساحرُ ادع لنا ربك ليكشف عنا هذا البلاء والعذاب ﴿بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ أي بالعهد الذي أعطاك إياه من استجابة دعائك ﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾ أي لنؤمِنن بك إن كشف عنا العذاب بدعائك قال المفسرون: ليس قولهم ﴿ياأيه الساحر﴾ على سبيل الانتقاص، وإنما هو تعظيم في زعمهم، لأن السحر كان عِلم زمانهم، ولم يكن مذموماً، فنادوه بذلك على سبيل التعظيم قال ابن عباس: معناه يا أيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيماً يوقرونه ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العذاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ أي فلما رفعنا عنهم العذاب بدعوة موسى، إذا هم ينقضون العهد ويصرون على الكفر والعصيان ﴿ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ﴾ أي نادى فرعون رؤساء القبط وعظماءهم، لما رأى الآيات الباهرة من موسى وخاف أن يؤمنوا ﴿قَالَ ياقوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي﴾ ؟ أي قال مفتخراً متبجحاً: أليست بلادُ مصرَ الواسعة الشاسعة ملكاً لي؟ وهذه الخُلجان والأنهار المتفرعمة من نهر النيل تجري من تحتي قصوري؟ قال القرطبي: ومعظمها أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تينس وكلها من النيل وقال قتادة: كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره ﴿أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ ؟ أفلا تبصرون عظمتي وسعة ملكي، وقلة موسى وذلته؟ ﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ﴾ أي بل أنا خيرٌ من هذا الضعيف الحقير الذي لا عزَّ له ولا جاه ولا سلطان، فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه؟ يعني بذلك موسى عليه السلام ﴿وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ﴾ أي لا يكاد يفصح عن كلامه، ويوضّح مقصوده، فكيف يصلح للرسالة؟ قال أبو السعود: قال فرعون ذلك افتراءً على موسى، وتنقيصاً له عليه السلام في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه من عُقدة، ولكنَّ الله أذهبها عنه بدعائه
﴿واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي﴾ [طه: ٢٧٢٨] ﴿فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ﴾ أي فهلاَّ ألقى الله إليه أسورةً من ذهب كرامةً له ودلالة على نبوَّتاه! ﴿قال مجاهد: كانوا إذا أرادوا أن يجعلوا رجلاً رئيساً عليهم سّوروه بسوارين وطوقوه بطوق من ذهبٍ علامة لسيادته {أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ﴾ أي أو جاءت معه الملائكةُ يكتنفونه خدمةً له وشهادة بصدقه قال أبو حيان: لما


الصفحة التالية
Icon