ترى فيها شجرةٌ تخلو عن ثمرها لحظة، فهي مزنيةٌ بالثمار أبداً، لأن كل ما يؤكل يخلف بدله وفي الحديث» لا ينزع رجلٌ في الجنة من ثمرها إلا نبت مثلاها مكانها «. ولما ذكر حال السعداء الأبرار أعقبه بذكر حال الأشقياء الفجار فقال ﴿إِنَّ المجرمين فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ أي إن الكافرين الراسخين في الإِجرام في العذاب الشديد في جهنم دائمون فيها أبداً قال الصاوي: والمراد بالمجرمين الكفار لأنهم ذكروا في مقابلة المؤمنين ﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ أي لا يخفَّف عنه العذاب لحظة ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ أي وهم في ذلك العذاب يائسون من كل خير ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين﴾ أي وما ظلمناهم بعقابنا لهم، ولكنْ كانوا هم الظالمين لتعريضهم أنفسهم للعذاب الخالد ﴿وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ أي ونادى الكفار مالكاً خازن النار قائلين: ليمتْنا اللهُ حتى نستريحمن العذاب قال ابنك ثير: أي ليقبضْ أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه قال ابن عباس: فلم يجبهم إلا بعد ألف سنة ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ﴾ أي أجابهم إنكم مقيمون في العذاب أبداً، لا خلاص لكم منه بموتٍ ولا بغيره ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُم بالحق ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ خطاب توبيخ وتقريع أي لقد جئناكم أيها الكفار بالحق الساطع المبين، ولكنكم كنتم كارهين لدين الله مشمئزين منه لكونه مخالفاً لأهوائكم وشهواتكم قال الرازي: هذا كالعلة لما ذُكر والمرادُ نفرتهم عن محمد وعن القرآن، وشدة بُغضْهم لقبول الدين الحق ﴿أَمْ أبرموا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ الكلام عن كفار قريش أي أم أحكم هؤلاء المشركون أمراً في كيد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإِنا محكمون أمرنا في نصرته وحمايته، وإهلاكهم وتدميرهم قال مقاتل: نزلت في تدبيرهم المكر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في دار الندوة ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم﴾ أي أم يظنون أنَّا لا نسمع ما حدَّثوا به أنفسهم، وما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي قال في التسهيل: السرُّ ما يحدث به الإِنسان نفسه أو غيره في خفية، والنجوى ما تكلموا به بينهم ﴿بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ أي لى إنا نسمع سرَّهم وعلانيتهم، وملائكتنا الحفظة يكتبون عليهم أعمالهم، روي أنها نزلت في» الأخنس بن شُريق «و» الأسود بن عبد يغوث «اجتمعنا فقال الأخنس: أترى الله يسمع سرَّنا!! فقال الآخر: يسمع نجوانا ولا يسمع سرنا ﴿قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: لو فُرض أنَّ لله ولداً لكنت أنا أول من يعبد ذلك الولد، ولكنه جلا وعلا منزَّه عن الزوجة والولد قال القرطبي: وهذا كما تقول لمن تناظره: إن ثبتَ ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذا مبالغةٌ في الاستبعاد، وترقيقٌ في الكلام وقال الطبري: هو ملاطفةٌ في الخطاب وقال البيضاوي: ولا يلزم من هذا الكلام صحة وجود الولد وعبادته له، بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه، وإِنكاره للولد ليس للعناد والمراء، بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف به، فإن النبي يكون أعلم بالله وبما يصح له وما لا يصح {سُبْحَانَ رَبِّ السماوات


الصفحة التالية
Icon