والأرض رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} أي تنزَّه وتقدَّس اللهُ العظيمُ الجليل، ربُّ السمواتِ والأرضِ، وربُّ العرشِ العظيم، عمَّا يصفه به الكافرون من نسبة الولد إليه ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ﴾ أي اترك كفار مكة في جهلهم وضلالهم، يخوضوا في باطلهم ويلعبوا بدنياهم ﴿حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ﴾ أي إلى ذلك اليوم الرهيب الذي وُعدوه وهو يوم القيامة فسوف يعلمون حينئذٍ كيف يكون حالهم ومصيرهم ومآلهم ﴿وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله﴾ أي هو جل وعلا معبودٌ في السماء ومعبود في الأرض، لأنه هو الإِله الحق، المستحق للعابدة في السماء والأرض قال في التسهيل: أي هو الإِله لأهل الأرض وأهل السماء وقال ابن كثير: أي هو إله من في السَّمء وإلهُ من في الأرض، يعبده أهلهما وكلُّهم خاضعون له أذلاء بين يديه ﴿وَهُوَ الحكيم العليم﴾ أي هو الحكيم في تدبير خلقه، العليمُ بمصالحهم، وهذا كالدليل على وحدانيته تعالى ﴿وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي تمجَّد وتعظَّم الله الذي له مُلك السمواتِ والإرض وما بينهما من المخلوقات، من الإِنس والجن والملائكة، فهو الخالق والمالك والمتصرف في الكائنات بلا ممانعةٍ ولا مدافعة ﴿وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة﴾ أي وعنده وحده علم زمان قيام الساعة ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي وإليه لا إلى غيره مرجع الخلائق للجزاء، فيجازي كلاً بعمله ﴿وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة﴾ أي ولا يملك أحدٌ ممن يعبدونهم من دون الله أن يشفع عند الله لأحد، لأنه شفاعته إلا بإذنه ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق﴾ أي إلا لمن شهد بالحق، وآمن عن علم وبصيرة، فإنه تنفع شفاعته عند الله ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي وهم يعلمون أن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه قال المفسرون: والمرادُ ب ﴿مَن شَهِدَ بالحق﴾ عيسى وعزير والملائكة، فإِنهم يشهدون بالحق والوحدانية للهِ، فهؤلاء تنفع شفاعتهم للمؤمنين وإِن كانوا قد عُبدوا من دون الله ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ أي ولئن سألت يا محمد كفار مكة من الذي خلقهم وأوجدهم؟ ليقولُنَّ اللهُ خلقنا، فهم يعترفون بأنه خالق ثم يعبدون غيره ممن لا يقدر على شيء ﴿فأنى يُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف ينصرفون عن عبادة الرحمن إلى عبادة الأوثان؟ فهم في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقول ﴿وَقِيلِهِ يارب إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ أي وقول محمد في شكواه لربه يا ربِّ إن هؤلاء قوم معاندون جبارون لا يصدقون براستلي ولا بالقرآن قال قتادة: هذا قول نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يشكو قومه إلى ربه عَزَّ وَجَلَّ ﴿فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ﴾ أي فأعرض عنهم يا محمد وسامحهم ولا تقابلهم بمثل ما يقابلونك به قال الصاوي: وهو تباعدٌ وبترؤٌ منهم، وليس في الآية مشروعية السلام على الكفار وقال قتادة: أمر بالصفح عنهم ثم أُمر بقتالهم، فصار الصفح منسوخاً بالسيف ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أي فسوف يعلمون عاقبة إجرامهم وتكذيبهم، وهو وعدٌ وتهديد للمشركين، وتسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ -