النقل من أصلٍ آخر، وقال ابن عباس: تكتب الملائكة أعمال العباد ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابل الملائكة الموكلون بديوان الأعمال ما كتبه الحفظة، مما قد أُبز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر، ما كتبه الله في القِدم على العباد قب لأن يخلقهم، فلا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، فذلك هو الاستنساخ، وكان ابن عباس يقول: ألستم عرباً، هل يكون الاستنساخ إالا من أصل؟ ثم بيَّن تعالى أحوال كلٍ من المطيعين والعاصين فقال ﴿فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ﴾ أي فأما المؤمنون الصالحون المتقون لله في الحياة الدنيا، فيدخلهم الله في الجنة، سُميت الجنة رحمةً لأنها مكان تنزل رحمةِ الله ﴿ذَلِكَ هُوَ الفوز المبين﴾ أي ذلك هو الفوز العظيم، البيّن الظاهر الذي لا فوز وراءه ﴿وَأَمَّا الذين كفروا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ﴾ أي وأمَّا الكافرون فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً: أفلم تكن الرسل تتلو علكيم آيات الله؟ ﴿فاستكبرتم وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ﴾ أي فتكبرتم عن الإِيمان بها، وأعرضتم عن سماعها، وكنتم قوماً مغرقين في الإِجرام ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي وإِذا قيل لكم إن البعث كانئ لا محالة ﴿والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا﴾ أي والقيامة آتيةٌ لا شك في ذلك ولا ريب ﴿قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا الساعة﴾ أي قلتم لغاية عتوكم، أيُّ شيء هي؟ أحقٌّ أم باطل؟ قال البيضاوي: قالوا هذا استغراباً واستبعاداً وإِنكاراً لها ﴿إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً﴾ أي لا نصدِّق بها ولكن نسمع الناس يقولون: إنَّ هناك آخرة فنتوهم بها توهماً ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ أي ولسنا مصدِّقين بالآخرة يقيناً، وهذا تأكيد منهم لإِنكار القيامة ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ﴾ أي وظهر لهم في الآخرة قبائح أعمالهم ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي ونزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا ﴿وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا﴾ أي ويقال لهم: اليوم نتركُكم في العذاب ونعاملكم معاملة الناسي، كما تركتم الطاعة التي هي الزادد ليوم المعاد فلم تعملوا لآخرتكم ﴿وَمَأْوَاكُمُ النار﴾ أي ومستقركم في نار جهنم ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ أي وليس لكم من ينصركم ويخلصكم من عذاب الله ﴿ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيَاتِ الله هُزُواً﴾ أي إِنما جازيناكم هذا الجزاء، بسبب أنكم سخرتم من كلام الله واستهزأتم به ﴿وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا﴾ أي خدعتكم الدنيا بزخارفها وأباطيلها، حتى ظننتم ألاَّ حياة سواها، وألاَّ بعث ولا نشور ﴿فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ﴾ أي فاليوم لا يُخْرجون من النار، ولا يُطلبُ منهم أن يرضوا ربَّهُم بالتوبة والطاعة لعدم نفعها يومئذٍ ﴿فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوات وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين﴾ أي فلله الحمد خاصة لا يستحق الحمد أحدٌ سواه لأنه الخالق والمالك لجميع المخلوقات والكائنات ﴿وَلَهُ الكبريآء فِي السماوات والأرض﴾ أي وله العظمة والجلال، والبقاء والكمال في السموات والأرض ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي الغالب الذي لا يغلب، الحكيم في صنعه وفعله وتدبيره.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التأكيد بأنَّ واللام ﴿إِنَّ فِي السماوات والأرض لآيَاتٍ﴾ [الجاثية: ٣] لأن المخاطبين منكرون لوحدانية الله.