يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} [إبراهيم: ٤٨] ﴿والذين كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ﴾ أي وهؤلاء الكفار معرضون عما خُوّفوه من العذاب ومن أهوال الآخرة، لا يتفكرون فيه لا يستعدون له.. ثم لما بيَّن وجود الإِله العزيز الحكيم ردَّ على عبدة الأصنام فقال ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أخبروني عن هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله، وتزعمون أنا ألهة ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض﴾ ؟ أي أرشدوني وأخبروني أيَّ شيءٍ خلقوا من أجاء الأرض، وممَّا على سطحها من إِنسان أو حيوان؟ ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات﴾ ؟ أي أمْ لهم مشاركة ونصيب مع الله في خلق السموات؟ ﴿ائتوني بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هاذآ﴾ أي هاتوا كتاباً من الكتب المنزلة من عند الله قبل هذا القرآن يأمركم بعبادة هذه الأصنام؟ وهو أم تعجيز لأنهم ليس لهم كتابٌ يدل على الإِشراك بالله، بل الكتب كلُّها ناطقة بالتوحيد ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾ أي أو بقية من علمٍ من علوم الأولين شاهدة بذلك ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي إن كنتم صادقين في دعواكم أنها شركاء مع الله قال في البحر: طلبمنهم أن يأتوا بكتابٍ يشهد بصحة ما هم عليه من عبادة الله، أو بقيةٍ من علوم الأولين، والغرضُ توبيخهم لأن كل كتاب الله المنزَّشلة ناطقة بالتوحيد وإِبطال الشرك، فليس لهم مستند من نقل أو عقبل.. ثم أخبر تعالى عن ضلال المشركين فقال ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة﴾ ؟ أي لا أحد أضلُّ وأجهل ممن يعبد أصناماً لا تسمع دعاء الداعين، ولا تعهلم حاجاتِ المحتاجين، ولا تستجيب لمن ناداها أبداً لأنها جمادات لا تسمع ولا تعقل ﴿وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ﴾ أي وهم لا يسمعون ولا يفهمون دعاء العابدين، وفيه تهكم بها وبعبدتها، وإِنما ذكر الأصنام بضمير العقلاء، لأنهم لما عبدوها ونزَّلوها منزلة من يضر وينفع، صحَّ أن توصف بعدم الاستجابة وبعد السمع والنفع، مجاراة لزعم الكفار ﴿وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً﴾ أي وإِذا جمع الناس للحساب يوم القايمة كانت الأصنام أعداءً لعابديها يضرونهم ولا ينفعونهم ﴿وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ أي وتتبرأ الأصنام من الذين عبدوها قال المفسرون: إن الله تعالى يحيي الأصنام يوم القيامة فتتبرأ من عابديها وتقول
﴿تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ [القصص: ٦٣] وهذه الآية كقوله تعالى ﴿كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً﴾ [مريم: ٨٢] واللهُ على كل شيء قدير ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي وإِذا قرئت عليهم آيات القرآن واضحات ظاهرات أنها من كلام الله ﴿قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ أي قال الكافرون عن القرآن الحق لما جاءهم من عند الله ﴿هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي هذا سحرٌ لا شبهة فيه ظاهر كونه سحراً، وإنما وضع الظاهر ﴿الذين كَفَرُواْ﴾ موضع الضمير تسجيلاً عليهم بكمال الكفر والضلالة قال في البحر: وفي قوله ﴿لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ تنبيه على أنهم لم يتأملوا ما يُتلى عليهم، بل بادروا أول سماعه إلى نسبته إلى السحر عناداً وظلماً، ووصفوه بأنه ﴿مُّبِينٌ﴾ أي ظاهر أنه سحر لا شبهة فيه ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ أي أيقولون اختلق محمد هذا القرآن وافتراه من تلقاء نفسه؟ وهو إِنكار توبيخي ﴿قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً﴾


الصفحة التالية
Icon