أي حذَّرهم هود عليه السلام قائلا لهم: بأن لا تعبدوا إلا الله ﴿إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أي إِني أخاف عليكم إِن عبدتم غير الله عذاب يومٍ هائلٍ وهو يوم القيامة ﴿قالوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا﴾ أي قالوا جواباً لإِنذاره: أجئتنا يا هود لتصرفنا عن عبادة آلهتنا؟ وهو استفهام، يراد منه التسفيه والتجهيل لما دعاهم إليه ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أي فأتنا بالعذاب الذي وعدتنا به إن كنت صادقاً فيما تقولم قال ابن كثير: استعجلوا عذاب الله وعقوبته استبعاداً منهم لوقوعه ﴿قَالَ إِنَّمَا العلم عِندَ الله﴾ أي قال لهم هود: ليس علم وقت العذاب عندي إنما علمه عند الله ﴿وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ أي وإِنما أنا مبلّغٌ ما أرسلني به الله إليكم ﴿ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾ أي ولكنني أجدكم قوماً جهلة في سؤالكم استعجال العذاب ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أي فلما رأوا السحاب معترضاً في أفق السماء متجهاً نحو أوديتهم استبشروا به ﴿قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ أي وقالوا هذا السحاب يأتينا بالمطر قال المفسريون: كانت عاد قد أبطأ عنهم المطر، وقُحطوا مدةً طويلةً من الزمن، فلما رأوا ذلك السحاب العارض ظنوا أنه مطر ففرحوا به واستبشروا وقالوا: هذا عراضٌ ممطرنا ﴿بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ﴾ أي قال لهم هود: ليس الأمر كما زعمتم أنه مطر، بل هو ما استعجلتم به من العذاب ثم فسَّره بقوله ﴿رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي هو ريحٌ عاصفة مدمّرة فيها عذابٌ فظيع مؤلم ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي تُخرَرِّب وتُهلك كل شيء أتت عليه من رجالٍ ومواشٍ وأموال، بأمره تعالى وإِذنه قال ابن عباس: أو ما جاءت الريح على قوم عاد، كانت تأتي على الرجال المواشي فترفعهم من الأرض وتطير بهم إلى السماء حتى يصبح الواحد منهم كالريشة، ثم تضربهم على الأرض، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، فهي التي قال الله فيها ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي تدمرّ كل شيء مرت عليه من رجال عادٍ وأموالها، والتدميرُ الهلاك، وفي الحديث عن عائشة قالت:
«كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه، فقلت يا رسول الله: الناسُ إِذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إِذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟ فقال يا عائشة: ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، عُذّب قوم بالريح»، وقد رأى قوم العذاب فقالوا ﴿هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ ﴿فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ﴾ أي فأصبحوا هلكى لا تُرى إِلا مساكنهم، لأن الريح لم تبق منهم إِلا الآثار والديار خاوية ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي القوم المجرمين﴾ أي بمثل هذه العقوبة الشديدة نعاقب من كان عاصياً مجرماً قال الرازي: والمقصود منه تخويف أهل مكة، ولهذا قال بعده ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ﴾ «إِنْ» نافية بمعنى «ما» أي ولقد مكَّنا عاداً في الذي لم نمكنكم فيه يأ أهل مكة من القوة، والسَّعة، وطور الأعمار، وهو خطاب لكفار مكة على وجهه التهديد ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً﴾ أي وأعطيناهم الأسماع والأبصار