والقلوب، ليعرفوا تلك النعم ويستدلوا بها على الخالق المنعم ﴿فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ فَمَآ أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ﴾ أي فما نفعتهم تلك الحواس أي نفع، ولا دفعت عنهم شيئاً من عذاب الله قال الإِمام الفخر: المعنى أنّا فتحنا عليهم أبواب النعم: أعطيناهم سمعاً فما استعملوه في سماع الدلائل، وأعطيناهم أبصاراً فما استعملوها في تأمل العبَر، وأعطيناهم أفئدة فما استعملوها في طلب معرفة الله، بل صرفوا كل هذه القوى إلى طلب الدينا ولذاتها، فلا جرم أنها لم تغن عنهم من عذاب الله شيئاً ﴿إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ الله﴾ تعليلٌ لما سبق أن لأنهم كانوا يكفرون وينكرون آيات الله المنزَّلة على رسله ويكذبون رسله ﴿وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي ونزل وأحاطبهم العذاب الذي كانوا يستعجلون به بطريق الاستهزاء ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ القرى﴾ تخويفٌ آخر لكفار مكة أي ولقد أهلكنا القرى المجاورة لكم يا أهل مكة والمحيطة بكم، كقرى عاد وثموج وسبأ وقوم لوط، والمراد بإهلاك القرى إِهلاكُ أهلها ﴿وَصَرَّفْنَا الآيات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي وكررنا الحجج والدلالات، والمواعظ والبينات، أوضحناها وبيَّناها لهم لعلهم يرجعون عن كفرهم وضلالهم ﴿فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ﴾ أي فهلاَّ نصرتهم آلهتهم التي ترقبوا بها إلى الله بزعمهم، وجعلوها شفعاءهم لتدفع عنهم العذاب؟! و «لولا» تحضيضية بمعنى هلاَّ ومعناها النفي أي لم تنصرهم آلهتهم ولم تدفع عنهم عذاب الله ﴿بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ﴾ أي غابوا عن نصرتهم وهم أحوج ما يكونون إليهم، فإِن الصديق وقت الضيق قال أبو السعود: وفي الآية تهكمٌ بهم كأنَّ عدم نصرهم كان لغيبتهم ﴿وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أي وذلك الذي أصابهم هو كذبهم وافتراؤهم على الله، حيث زعموا أن الأصنام شركاء الله وشفعاء لهم عند الله ﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرآن﴾ أي واذكر يا محمد حين وجهنا إليك وبعثنا جماعةً من الجن ليستمعوا القرآن قال البيضاوي: والنفر دون العشرة، روى أنهم وافوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بوادي النخلة عند منصرفه من الطائف يقرأ في تهجده القرآن ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالوا أَنصِتُواْ﴾ أي فلما حضروا القرآن عند تلاوته قال بعضهم لبعضٍ: اسكتوا لاستماع القرآن قال القرطبي: هذا توبيخٌ لمشركي قريش، أي إِن الجنَّ سمعوا القرآن فآمنوا به وعلموا أنه من عند الله، وأنتم معرضون مصرّون على الكفر ﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ أي فلما فُرغَ من قراءة القرآن رجعوا إِلى قومهم مخوفين لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا قال الرازي: وذلك لا يكون إلا بعد إيمانهم، لأنهم لا يدعون غيرهم إلى استماع القرآن والتصديق به إلاّ وقد آمنوا ﴿قَالُواْ ياقومنآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى﴾ أي سمعنا كتاباً رائعاً مجيداً منزَّلاً على رسولٍ من بعد موسى قال ابن عباس: إن الجنَّ لم تكن قد سمعت بأمر عيسى عليه السلام ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي مصدِّقاً لما قبله من التوارة ﴿يهدي إِلَى الحق وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي هذا القرآن يرشد إلى الحقِّ المبين، وإِلأى دين الله القويم ﴿ياقومنآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله وَآمِنُواْ بِهِ﴾ أي أجيبوا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما يدعوكم إليه من الإِيمان وصدِّقوا برسالته ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ أي يمحو الله


الصفحة التالية
Icon