ويتصفحونه ليروا ما فيه من المواعظ والزواجر، حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات!؟ ﴿أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ «أم» بمعنى «بل» وهو انتقالٌ من توبيخهم على عدم التدبر إلى توبيخهم على ظلمة القلوب وقسوتها حتى لا تقبل التفكر والتدبر والمعنى: بل قلوبهم قاسية مظلمة كأنها مكبَّلة بالأقفال الحديدية فلا ينفذ إليها نور ولا إيمان قال الرازي: إِن القلب خُلق للمعرفة فإِذا لم تكن فيه المعرفة فكأنه غير موجود، وهذا كما يقول القائل في الإِنسان المؤذي: هذا ليس بإِنسان هذا وحش، وهذا ليس بقلب هذا حجر ﴿إِنَّ الذين ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى﴾ أي رجعوا إلى الكفر بعد الإِيمان، وبعد أن وضح لهم طريق الهدى بالدلائل الظاهرة والمعجزات الواضحة ﴿الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ وأملى لَهُمْ﴾ أي الشيطان زيَّن لهم ذلك الأمر، وغرَّهم وخدعهم بالأمل، وطول الأجل ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله﴾ أي ذلك الإِضلال بسبب أنهم قالوا لليهود الذين كرهوا القرآن الذي نزَّله الله حسداً وبغياً ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر﴾ أي سنطيعكم في بعض ما تأمروننا به كالقعود عن الجهاد، وتثبيط المسلمين عنه وغير ذلك ﴿والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي وهو جل وعلا يعلم خفاياهم، وما يبطنونه من الكيد والدسّ والتآمر على الإِسلام والمسلمين قال المفسرون: قال المنافقون لليهود ذلك سراً فأظهره الله تعالى وفضحهم ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ أي فكيف يكون حالهم حين تحضرهم ملائكة العذاب لقبض أرواحهم معهم مقامع من حديد يضربون بها وجودههم وظهروهم؟ قال القرطبي: المعنى على التخويف والتهديد أي إِن تأخر عنهم العذاب فإلى انقضاء العمر قال ابن عباس: لا يُتوفى أحد على معصية إلا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ﴾ أي ذلك العذاب بسبب أنهم سلكوا طريق النفاق وكرهوا ما يرضي الله من الإِيمان والجهاد وغيرهما من الطاعات ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي أبطل ما عملوه حال إيمانهم من أعمال البر ﴿أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ﴾ ؟ أي أيعتقد المنافقون الذين في قلوبهم شك ونفاق أن الله لن يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ وأنه لن يظهر بغضهم وأحقادهم على الإِسلام والمسلمين؟ لا بدَّ أن يفضحهم ويكشف أمرهم ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ أي لو أردنا لأريناك يا محمد أشخاصهم فعرفتهم عياناً بعلامتهم ولكنَّ الله ستر عليهم إبقاءً عليهم وعلى أقاربهم من المسلمين لعلهم يتوبون ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول﴾ أي ولتعرفنَّ يا محمد المنافقين من فحوى كلامهم وأسلوبه، فيما يعرضونه بك من القول الذي ظاهره إيمان وإِسلام وباطنه كفر ومسبّة قال الكلبي: لم يتكلم بعد نزولها عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ منافقٌ إلا عرفه ﴿والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ أي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فيجازيكم بحسب قصدكم، ففيه وعدٌ ووعيد ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين﴾ أي ولنختبرنكَم أيها الناسُ بالجهاد وغيره من التكاليف الشاقة حتى نعلم علم ظهور المجاهدين في سبيل الله، والصابرين على مشاقَ الجهاد ﴿وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ﴾ أي ونختبر أعمالكم


الصفحة التالية
Icon