حسنها وقبيحها قال في التسهيل: المراد بقوله ﴿حتى نَعْلَمَ﴾ أي نعلمه علماً ظاهراً في الوجود تقوم به الحجة عليكم، وقد علم الله الأشياء قبل كونها، ولكنه أراد إقامة الحجة على عباده بما يصدر منهم، وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبتلنا فإنك إذا ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي جحدوا بآيات الله ومنعوا الناس على الدخول في الإِسلام ﴿وَشَآقُّواْ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى﴾ أي عادوا الرسول وخرجوا عن طاعته من بعد ما ظهر لم صدقُه وأنه رسول الله بالحجج والآيات ﴿لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي لن يضروا الله بكفرهم وصدّهم شيئاً من الضرر، وسيبطل أعمالهم من صدقة ونحوها فلا يرون لها في الآخرة ثواباً ﴿ياأيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول﴾ أي امتثلوا أوامر الله وأوامر رسوله ﴿وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ﴾ أي ولا تُبطلوا أعمالكم بما أبطل به هؤلاء أعمالهم من الكفر والنفاق، والعُجب والرياء ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي جحدوا بآيات الله وصدُّوا الناس عن طريق الهدى والإِيمان ﴿ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ أي وماتوا على الكفر ﴿فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ﴾ أي فلن يغفر الله لهم بحالٍ من الأحوال، وهذا قطع بأن من مات على الكفر لا يغفر اللهُ له لقوله تعالى
﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] قال أبو السعود: وهذا حكم يعم كل من مات على الكفر، وإن صحَّ نزوله في أصحاب القليب ﴿فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم﴾ أي فلا تضعفوا وتدعوا إلى المهادنة والصلح مع الكفار إِذا لقيتموهم ﴿وَأَنتُمُ الأعلون﴾ أي وأنتم الأعزة الغالبون لأنكم مؤمنون ﴿والله مَعَكُمْ﴾ أي والله معكم بالعونِ والنصر ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ أي لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم قال ابن كثير: وفي قوله ﴿والله مَعَكُمْ﴾ بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء ﴿إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أي ما الحياة الدنيا إلا زائلة فانية، لا قرار لها ولا ثبات، كاللعب واللهو الذي يتلهى به الأولاد قال شيخ زاده: بيَّن تعالى أن الدنيا وما فيها من الحظوظ العاجلة، لا يصلح مانعاً من الإِقدام إلى الجهاد، وما يؤدي إلى ثواب الآخرة، لكونها بمنزلة اللهو اللهب في سرعة زوالها، وأن الآخرة هي الحياة الباقية، فلا ينبغي أن يكون حبُّ الدنيا والحرص على ما فيها من اللذات والشهوات سبباً للجبن عن الغزو والتخلف عن الجهاد ﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ﴾ أي وإِن تؤمنوا بالله وتتقوه حقَّ تقواه، يعطكم ثواب أعمالكم كاملاً ﴿وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾ أي ولا يطلب منكم أن تنفقوا جميع أموالكم، بل الزكاة المفروضة فيها قال ابن كثير: أي هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئاً، وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساةً لإِخوانكم الفقراء، ليعود نفع ذلك وثوابه عليكم ﴿إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ﴾ أي إن يسألكم جميع أموالكم ويبالغ في طلبها، ويلح عليكم في إنفاقها تبخلوا ﴿وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ أي ويخرج ما في قلوبكم من البخل وكراهة الإِنفاق قال في التسهيل: وذلك لأن الإِنسان جبل على محبة الأموال، ومن نوزع في حبيبه ظهرت سرائره، فمن رحمته تعالى على عباده عدم التشديد عليهم في التكاليف {


الصفحة التالية
Icon