سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس قال: تخلف عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أعراب المدينة حين أراد السفر إلى مكة عام الفتح، بعغد أن كان استنفرهم معه حذراً من قريش، وأحرم بعمرةٍ وساق معه الدي ليعلم الناسُ أنه لا يريد حرباً، فتثاقلواعنه واعتلَّوا بالشغل فنزلت ﴿سَيَقُولُ لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فاستغفر لَنَا..﴾ الآية.
التفسِير: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً﴾ أي قد فتحنا لك يا محمد مكة فتحاً بيناً ظاهراً، وحكمنا لك بالفتح المبين على أعدائك، والمراد بالفتح فتح مكة، وعده الله به قبل أني كون، وذكره بلفظ الماضي لتحققه، وكانت بشارة عظيمة من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين قال الزمخشري: هو فتح مكة، وقد نزلت مرجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن مكة عام الحديبية، وهو وعدٌ له بالفتح، وجيء به بلفظ الماضي على عادة ربّ العزَّة سبحانه في أخباره، لأنها في تحققها وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة، وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن الفتح ما لايخفى ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ أي ليغفر لك ربك يا محمد جميع ما فرط منك من ترك الأولى قال أبو السعود: وتسمتُه ذنباً بالنظر إلى منصبه الجليل وقال ابن كثير: هذا من خصائصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ التي لا يشاركه فيها غيره، وفيه تشريفٌ عظيم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذ هو أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة، وهو في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين، ولما كان أطوع خلق الله بشره الله بالفتح المبين، وغنفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ أي وكمّل نعمته عليك بإِعلاء الذين ورفع مناره ﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾ أي ويرشدك إلى الطريق القويم، الموصل إلى جنات النعيم؛ بما يشرعه لك من الدين العظيم ﴿وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً﴾ أي وينصرك الله على أعدائك نصراً قوياً منيعاً، فيه عزةٌ وغلبة، يجمع لك به بين عز الدنيا والآخر ﴿هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين﴾ أي هو جل وعلا الذي جعل السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين ﴿ليزدادوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ أي ليزدادوا يقيناً مع يقينهم، وتصديقاً مع تصديقهم، برسوخ العقيدة في القلوب، والتوكل على علاَّم الغيوب ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض﴾ أي وللهِ جلَّت عظمته كل جنود السموات والأرض، من الملائكة والجن، والحيوانات، والصواعق المدمّرة، والزلازل، والخسف والغرق، جنودٌ لا تُحصى ولا تُغلب، يسلطها على من يشاء قال ابن كثير: ولو أرسل عليهم ملكاً واحداً لأباد خضراءهم، ولكنه تعالى شرع لعباده الجهاد، لما له في ذلك من الحجة القاطعة والحكمة البالغة ولذلك قال ﴿وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً﴾ أي عليماً بأحوال خلقه، حكيماً في تقديره وتدبيره قال المفسرون: أراد بإِنزال السكينة في


الصفحة التالية
Icon