وَتُعَزِّرُوهُ} أي تُفخمو وتُعطِّموه ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ أي تحترموا وتجلُّوا أمره مع التعظيم والتكريم، والضمير فيهما للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ أي تسبحوا ربكم في الصباح والمساء، ليكون القلب متصلاً بالله في كل آن، ثم قال تعالى ﴿إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله﴾ أي إن الذين يبايعونك يا محمد في الحديبية «بيعة الرضوان» إِنما يبايعون في الحقيقة اللهَ، وهذا تشريفٌ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث جعل مبايعته بمنزل مبايعة الله، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سفيرٌ ومعبِّر عن الله قال المفسرون: المراد بالبيعة هنا بيعة الرضوان بالحديبية، حين بايع الصحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على الموت كما روى الشيخان عن سلمة ابن الأكوع أنه قال: «بايعنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على الموت» وسميت «بيعة الرضوان» لقول الله فيها ﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة﴾ [الفتح: ١٨] ﴿يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ قال ابن كثير: أي هو تعالى حاضر معهم، يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظاهرهم، فهو تعالى المبايع بواسطة رسول الله صلى لله عليه وسلم وقال الزمخشري: يريد أن يد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ التي تعلو أيدي المبايعين هي يدُ الله، والمعنى أن من بايع الرسول فقد بايع الله كقوله تعالى ﴿مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله﴾ [النساء: ٨٠] ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ﴾ أي فمن نقض البيعة فإنما يعود ضرر نكثه عليه، لأنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب بنقضه العهد والميثاق الذي عاهد به ربه ﴿وَمَنْ أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله﴾ أو ومنْ وفَّى بعهده ﴿فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ أي فسيعطيه الله ثواباً جزيلاً، وهو الجنة دار الأبرار ﴿سَيَقُولُ لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب﴾ أي سيقول لك يا محمد المنافقون الذين تخلفوا عن الخروج معك عام الحديبية من أعراب المدينة ﴿شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فاستغفر لَنَا﴾ أي شُغلنا عن الخروج معك الأموال والأولاد، فاطلب لنا من الله المغفرة، لأن تخلفنا لم يكن باختيار بل عن اضطرار قال في التسهيل: سمَّاهم تعالى بالمخلَّفين لأنهم تخلَّفوا عن غزوة الحديبية، والأعراب هم أهل البوادي من العرب لما خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى مكة يعتمر، رأوا أنه يستقبل عدواً كثيراً من قريش وغيرهم فقعدوا عن الخروج معه، ولم يكن إيمانهم متمكناً فظنوا أنه لا يرجع هو والمؤمنون من ذلك السفر، ففضحهم الله في هذه السورة وأعلمَ تعالى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، وأعلمه أنهم كاذبون في اعتذارهم ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ اي يقولون خلاف ما يبطنون وهذا هو النفاق المحض، فهم كاذبون في الاعتذاروطلب الاستغفار، لأنهم قالوه رياءً من غير صدقٍ ولا توبة ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً﴾ ؟ أي قل لهم: مَن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه، إِن أراد أن يُلحق بكم أمراً يضركم كالهزيمة، أو أمراً ينفعكم كالنصر والغنيمة؟ قال القرطبي: وهذا ردٌ عليهم حين ظنوا ان التخلف عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يدفع عنهم الضرُّ، ويُعجل لهم النفع ﴿بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ أي ليس الأمر كما زعمتم بل الله مطلع على ما في قلوبكم من الكذب والنفاق، ثم أظهر تعالى ما يخفونه في نفوسهم فقال {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن