بعض، وانفصل المؤمنون عن الكفار، لعذبنا الكافرين منهم أشدَّ العذاب، بالقتل والسبي والتشريد من الأوطان ﴿إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الحمية﴾ أي حين دخل إلى قلوب الكفار الأنفة والكبرياء بالباطل، فرفضوا أن يكتبوا في كتاب الصلح «بسم الله الرحمن الرحيم» ورفضوا أن يكتبوا «محمد رسولُ الله» وقولهم: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك ولكنْ اكتبْ اسمك واسم أبيك ﴿حَمِيَّةَ الجاهلية﴾ أي آنفةً وغطرسةً وعصبيةً جاهلية ﴿فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين﴾ أي جعل الطمأنينة والوقار في قلب الرسول والمؤمنين، ولم تلحقهم العصبية الجاهلية كما لحقت المشركين ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى﴾ أي اختار لهم كلمة التقوى إِلزام تكريم وتشريف وهي كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» هذا قول الجمهور، والظاهر: أن المراد بكلمة التقوى هي أخلاصهم وطاعتهم لله ورسوله، وعدم شقّ ص الطاعة عندما كُتيبت بنود الصلح، وكانت مجحفةً بحقوق المسلمين في الظاهر، فثبَّت الله المؤمنين على طاعة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكان في هذا الصلح كل الخير للمسلمين ﴿وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ أي وكانوا أحقَّ بهذه الفضيلة من كفار مكة، لأن الله اختارهم لدينه وصبحة نبيه ﴿وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ أي عالما بمن هو أهل للفضل، فيخصه بمزيد من الخير والتكريم.
. ثم أخبر تعالى عن رؤيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في المنام وهي رؤيا حق لأنها جزء من الوحي فقال ﴿لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرءيا بالحق﴾ اللام موطئة للقسم، و «قد» للتحقيق أي والله لقد جعل الله رؤيا رسوله صادقة محققه لم يدخلها الشيطان لأنها رؤيا حق قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد رأى في منامه أنه دخل مكة هو وأصحابه وطافوا بالبيت، ثم حلق بعضهم وقصَّر بعضهم، فحدَّث بها أصحابه ففرحوا واستبشروا، فلما خرج إلى الحديبية مع الصحابة، وصدَّه المشركون عن دخول مكة، وقع ما وقع من قضية الصلح، ارتاب المنافقون وقالوا: واللهِ ما حلقنا ولا قصَّرنا ولا رأينا البيت، فأين هي الرؤيا؟ ووقع في نفوس بعض المسلمين شيء فنزلت الآية ﴿لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرءيا بالحق﴾ فأعلم تعالى أن رؤيا رسوله حقٌّ، وأنه لم يكذب فيما رأى، ولكنه ليس في الرؤيا أنه يدخلها عام ستٍ من الهجرة، وإِنما اراه مجرد صورة الدخول، وقد حقق الله له ذلك بعد عام فذلك قوله تعالى ﴿لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله﴾ أي لتدخلن يا محمد أنت وأصحابك المسجد الحرام بمشيئة الله ﴿آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ أي تدخلونها آمنين من العدو، تؤدون مناسك العمرة ثم يحلق بعضكم رأسه، ويقصِّر بعض ﴿لاَ تَخَافُونَ﴾ أي غير خائفين، وليس فيه تكرارٌ لان المراد آمنين وقت دخولكم، وحال المكث، وحال الخروج {فَعَلِمَ مَا لَمْ


الصفحة التالية
Icon